القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة النساء
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) (النساء) 

يَقُول تَعَالَى آمِرًا أَهْل الْكِتَاب بِالْإِيمَانِ بِمَا نَزَلَ عَلَى رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكِتَاب الْعَظِيم الَّذِي فِيهِ تَصْدِيق الْأَخْبَار الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْبِشَارَات وَمُتَهَدِّدًا لَهُمْ إِنْ لَمْ يَفْعَلُوا بِقَوْلِهِ " مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارهَا " قَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا فَطَمْسهَا هُوَ رَدّهَا إِلَى الْأَدْبَار وَجَعْل أَبْصَارهمْ مِنْ وَرَائِهِمْ وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا فَلَا نُبْقِي لَهَا سَمْعًا وَلَا بَصَرًا وَلَا أَنْفًا وَمَعَ ذَلِكَ نَرُدّهَا إِلَى نَاحِيَة الْأَدْبَار . وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْآيَة وَهِيَ مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا وَطَمْسهَا أَنْ تَعْمَى فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارهَا يَقُول نَجْعَل وُجُوههمْ مِنْ قِبَل أَقْفِيَتهمْ فَيَمْشُونَ الْقَهْقَرَى وَنَجْعَل لِأَحَدِهِمْ عَيْنَيْنِ مِنْ قَفَاهُ وَكَذَا قَالَ قَتَادَة وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَهَذَا أَبْلَغ فِي الْعُقُوبَة وَالنَّكَال وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لَهُمْ فِي صَرْفهمْ عَنْ الْحَقّ وَرَدّهمْ إِلَى الْبَاطِل وَرُجُوعهمْ عَنْ الْمَحَجَّة الْبَيْضَاء إِلَى سَبِيل الضَّلَالَة يُهْرَعُونَ وَيَمْشُونَ الْقَهْقَرَى عَلَى أَدْبَارهمْ وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضهمْ فِي قَوْله " إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقهمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ سَدًّا " الْآيَة أَيْ هَذَا مَثَل سُوء ضَرَبَهُ اللَّه لَهُمْ فِي ضَلَالهمْ وَمَنَعَهُمْ عَنْ الْهُدَى . قَالَ مُجَاهِد : مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا يَقُول عَنْ صِرَاط الْحَقّ فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارهَا أَيْ فِي الضَّلَال قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن نَحْو هَذَا قَالَ السُّدِّيّ : فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارهَا فَنَمْنَعهَا عَنْ الْحَقّ قَالَ نُرْجِعهَا كُفَّارًا وَنَرُدّهُمْ قِرَدَة قَالَ أَبُو زَيْد فَرَدَّهُمْ إِلَى بِلَاد الشَّام مِنْ أَرْض الْحِجَاز . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ كَعْب الْأَحْبَار أَسْلَمَ حِين سَمِعَ هَذِهِ الْآيَة . قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب حَدَّثَنَا جَابِر بْن نُوح عَنْ عِيسَى بْن الْمُغِيرَة قَالَ : تَذَاكَرْنَا عِنْد إِبْرَاهِيم إِسْلَام كَعْب فَقَالَ أَسْلَمَ كَعْب زَمَان عُمَر أَقْبَلَ وَهُوَ يُرِيد بَيْت الْمَقْدِس فَمَرَّ عَلَى الْمَدِينَة فَخَرَجَ إِلَيْهِ عُمَر فَقَالَ يَا أَبَا كَعْب أَسْلِمْ فَقَالَ : أَلَسْتُمْ تَقُولُونَ فِي كِتَابكُمْ " مَثَل الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاة إِلَى أَسْفَارًا " وَأَنَا قَدْ حَمَلْت التَّوْرَاة . قَالَ فَتَرَكَهُ عُمَر ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى حِمْص فَسَمِعَ رَجُلًا مِنْ أَهْلهَا حَزِينًا وَهُوَ يَقُول " يَا أَيّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارهَا " الْآيَة قَالَ كَعْب يَا رَبّ أَسْلَمْت مَخَافَة أَنْ تُصِيبهُ هَذِهِ الْآيَة ثُمَّ رَجَعَ فَأَتَى أَهْله فِي الْيَمَن ثُمَّ جَاءَ بِهِمْ مُسْلِمِينَ وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم بِلَفْظٍ آخَر مِنْ وَجْه آخَر فَقَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا اِبْن نُفَيْل حَدَّثَنَا عَمْرو بْن وَاقِد عَنْ يُونُس بْن حُلَيْس عَنْ أَبِي إِدْرِيس عَائِذ اللَّه الْخَوْلَانِيّ قَالَ : كَانَ أَبُو مُسْلِم الْجَلِيلِيّ مَعَهُمْ كَعْب وَكَانَ يَلُومهُ فِي إِبْطَائِهِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَبَعَثَهُ إِلَيْهِ يَنْظُر أَهُوَ هُوَ قَالَ كَعْب : فَرَكِبْت حَتَّى أَتَيْت الْمَدِينَة فَإِذَا تَالٍ يَقْرَأ الْقُرْآن يَقُول " يَا أَيّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارهَا " فَبَادَرْت الْمَاء فَاغْتَسَلْت وَإِنِّي لَأَمَسّ وَجْهِي مَخَافَة أَنْ أَطْمِس ثُمَّ أَسْلَمْت وَقَوْله " أَوْ نَلْعَنهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَاب السَّبْت " يَعْنِي الَّذِينَ اِعْتَدَوْا فِي سَبْتهمْ بِالْحِيلَةِ عَلَى الِاصْطِيَاد وَقَدْ مُسِخُوا قِرَدَة وَخَنَازِير وَسَيَأْتِي بَسْط قِصَّتهمْ فِي سُورَة الْأَعْرَاف وَقَوْله " وَكَانَ أَمْر اللَّه مَفْعُولًا " أَيْ إِذَا أَمَرَ بِأَمْرٍ فَإِنَّهُ لَا يُخَالَف وَلَا يُمَانَع . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ أَيْ لَا يَغْفِر لِعَبْدٍ لَقِيَهُ وَهُوَ مُشْرِك بِهِ وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ أَيْ مِنْ الذُّنُوب لِمَنْ يَشَاء أَيْ مِنْ عِبَاده وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيث مُتَعَلِّقَة بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة فَلْنَذْكُرْ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ . " الْحَدِيث الْأَوَّل " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُون حَدَّثَنَا صَدَقَة بْن مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَان الْجَوْنِيّ عَنْ يَزِيد بْن أَبِي مُوسَى عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الدَّوَاوِين عِنْد اللَّه ثَلَاثَة دِيوَان لَا يَعْبَأ اللَّه بِهِ شَيْئًا وَدِيوَان لَا يَتْرُك اللَّه مِنْهُ شَيْئًا وَدِيوَان لَا يَغْفِرهُ اللَّه .
كتب عشوائيه
- أعمال القلوب [ الإخلاص ]الإخلاص هو أهم أعمال القلوب وأعلاها وأساسها; لأنه حقيقة الدين; ومفتاح دعوة الرسل عليهم السلام; وسبيل النجاة من شرور الدنيا والآخرة; وهو لبٌّ العبادة وروحَها; وأساس قبول الأعمال وردها. لذلك كله كان الأجدر بهذه السلسلة أن تبدأ بالحديث عن الإخلاص.
المؤلف : محمد صالح المنجد
الناشر : موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/340013
- آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها من أعمالآثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها من أعمال : هذه الصفحة تهدف إلى جمع مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -، وقد أضفنا نسخ مصورة من أجود الطبعات المتاحة.
المؤلف : أحمد بن عبد الحليم بن تيمية
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/272821
- المنتقى للحديث في رمضانالمنتقى للحديث في رمضان : مجموعة من الدروس تساعد الأئمة والوعاظ في تحضير دروسهم في شهر رمضان المبارك.
المؤلف : إبراهيم بن محمد الحقيل
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/172215
- شرح الورقات في أصول الفقهشرح الورقات للجويني : متن مختصر جداً في أصول الفقه، تكلم فيه المؤلف - رحمه الله - على خمسة عشر باباً من أبوابه وهي: أقسام الكلام، الأمر، النهي، العام والخاص، المجمل والمبين، الظاهر والمؤول، الأفعال، الناسخ والمنسوخ، الإجماع، الأخبار، القياس، الحظر والإباحة، ترتيب الأدلة، المفتي، أحكام المجتهدين. - وقد لقي عناية فائقة من العلماء ما بين شرح وحاشية ونظم، ومن هذه الشروح شرح فضيلة الشيخ عبد الله الفوزان - حفظه الله -.
المؤلف : عبد الله بن صالح الفوزان
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/2088
- السبحة تاريخها وحكمهاقال المؤلف: أحتسب عند الله تعالى تحرير القول في السبحة من جميع جوانبه، بجمع المرويات، وبيان درجتها، وجمع كلام العلماء في تاريخها، وتاريخ حدوثها في المسلمين، وأن العرب لم تعرف في لغتها شيئاً اسمه: ((السُّبْحَة)) في هذا المعنى، وفي ((خلاصة التحقيق)) بيان حكمها في التعبد لِعَدِّ الذِّكر، أو في العادة واللَّهْو، حتى يُعلم أنها وسيلة محدثة لِعَدِّ الذِّكر، ومجاراة لأهل الأهواء، فَتَشَبُّهٌ بأهل الملل الأخرى، وَمِنِ اسْتِبْدَالِ الأَدْنَى بالذي هو خير، وقاعدة الشرع المطهر: تحريم التشبه بالكفار في تعبداتهم وفيما هو من خصائصهم من عاداتهم.
المؤلف : بكر بن عبد الله أبو زيد
الناشر : دار العاصمة للنشر والتوزيع بالرياض
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/385302