30-04-07, 02:13 AM | #1 |
من كبار الشخصيات
|
بسم الله الرحمن الرحيم إهداء إلى الأرواح التي عاشت بيننا قريبة منا ، غريبة عنا ولم نعرف قيمتها إلا بعد الرحيل إلى الشذا الباقي والعطر الخالد الذين زرعوا المجد بأيديهم وغرسوه بتفانيهم ورووه بأفانين حبهم وهمس وحيهم الكاتب (1) لم يدور في خلده أنه كان ينتظر أياما قاسية فقد كان سعيدا لأنه سيخرج برفقة أمه لزيارة جارتها ( أم صابر ) لأول مرة ،كان طفلا في عقده الخامس ككل الأطفال يحب المرح واللعب وقد أخبرته أمه أن لدى جيرانهم طفلا في عمره تقريبا فظن أنه سيكون صديقا جديدا يمرح ويشاركه ألعابه ، قال في براءة الطفل الذي حرم من أي لعبة أو دمية : ماما هل لدى صابر ألعاب ؟ الأم : طبعا ، لديه ألعاب كثيرة ، فهو الطفل الوحيد لوالديه والمدلل كثيرا . الطفل : هل تظنين أنه سيفرح بي كما أنا سعيد لأن أراه ؟ الأم : لا شك في ذلك ، لكن إياك أن تتشاقى فتجعله وأهله يكرهون مجيئنا . الطفل : لا لن أفعل ، سأكون ابنك المطيع دوما . تناولت يده وانحنت إليه قائلة : نعم أنت ابني المطيع دوما ، هيا أعطي أمك قبلة . طبع قبلة قوية على خدها ثم قال : أحبك ماما . الأم : وأنا أحبك كثيرا سامي . كانا مازالا ينتظران الباب يفتح حتى جاء ولد في السابعة من أقصى الشارع ، وقف على مقربة منهم حدجته أم صابر بنظرة متفحصة متروية وأيقنت من تركيبة وجهه المستدير ولون بشرته البيضاء القريبة للصفرة وأنفه الصغير الدقيق وشعره الناعم المسترسل شديد السواد وعينيه الواسعتين أنه يشبه لحد كبير أم صابر فقالت دون تردد : أنت صابر ، أليس كذلك ؟ الولد : نعم عمتي ، أنا صابر . المرأة : ما شاء الله تبارك الله – لقد كبرت بسرعة يا صابر ألم تعرفني ؟ أنا جارتكم أم سامي وهذا ابني سامي ، أدنو مني لأقبلك وانحنت إليه ، قبلته على خده ، ثم مد يده لسامي وتصافحا ، بدا سامي مسرورا لأن صابر كان في طوله تقريبا مع أنه أكبر منه بعامين . سامي : أنا أعرفك ، فقد حدثتني أمي عنك كثيرا . وفتح الباب وكانت خلفه امرأة بدينة بدت أنها بشوشة ومسرورة بهذه الزيارة المفاجأة قالت : أم سامي ! تفضلي . قدمت أم سامي خطوة للأمام وولجت للداخل بينما ظل الطفلان ينتظران فراغ النساء من تبادل القبل والسلام الذي ظنا أنه لن ينتهي إلا بعد وقت طويل ، فجأة قالت المرأة البدينة مخاطبة سامي : لابد أنك سامي ؟ قال سامي : نعم سامي يا خالة . ابتسمت المرأة بمودة بالغة وقالت : ما شاء الله تبارك الله ، ادخل يا بني لا تكن خجولا . تقدم ببضع خطوات فكان في الداخل ، فانحنت إليه قائلة : أما عرفتني ؟ ، أنا ( أم صابر ) ، وطبعت على رأسه قبلة ثم أردفت : وهذا الذي خلفك ابني ( صابر ) ، صابر خذ سامي وأريه ألعابك . صابر : حاضر ماما ، ثم التفت إلى سامي قائلا : هيا اتبعني . في الممر كان سامي يتبع صابر الذي بدا هادئا في مشيته رزينا أنيقا في هندامه قال سامي : هل تدرس ؟ التفت إليه وقال : نعم ، وأنت . سامي : تقول أمي ، أنني مازلت صغيرا . صابر : كم عمرك ؟ سامي : خمسة . صابر : ظننت أنك في السابعة . سامي : وأنا ظننت أنك بعمري . صابر : لست أنت الوحيد الذي ظن ذلك ، فكل من رآني ظن أنني أصغر من عمري ، ولقد ذهب بي أبي للطبيب وبعد الفحص قال أن نموي بطيء ، لكنه قال أيضا أن هناك المئات من الأطفال بمثل حالتي وما أن أبلغ العاشرة حتى أنمو بسرعة أكبر . سامي : هل لديك أصدقاء ؟ . صابر : نعم لدي الكثير ، تعرفت بهم في المدرسة ، وأنت ؟ سامي : لدي صديق واحد هو أحمد ابن الجيران لكنني لا أحبه فنحن دائما نتشاجر . صابر : لماذا تتشاجران ؟ سامي : يملك ألعابا كثيرة لكنه بخيل ، فكلما أردت أن ألعب معه بألعابه يرفض ونتعارك . صابر : لدي أيضا ألعابا كثيرة ، وإذا أعجبك شيء لا تتردد في طلبه ، فنحن جاران وقالت لي أمي أننا أخوان . وقد بدا سامي مسرورا من كرم صابر وكان كمن لا يطيق الانتظار ليرى تلك الألعاب . أخيرا وصلا لغرفة صابر وكان الباب مقفلا ، مد صابر يده ممسكا بمقبض الباب لواه قليلا وفتح الباب وولج للداخل قال : تفضل ، أدخل . تقدم سامي للداخل وأدهشه منظر الألعاب المتراصة في دواليب وزعت على أركان الغرفة الواسعة والمطلية بلون زهري فاتح والمرتبة ترتيبا جميلا متناسقا ، وقال من الدهشة بعد أن فغر فاه برهة : صابر أهذه الغرفة لك لوحدك ؟ صابر : نعم هي غرفتي وكل ما تراه هو لي لوحدي . تجول قليلا في أنحائها مذهولا ومن ثم أتجه نحو دولاب الألعاب وقبل أن يلتقط دمية أثارت فضوله قال : أتسمح أن ألعب بها ؟ صابر : بالطبع ، كلها تحت تصرفك . سامي : أنت كريم يا صابر ، أنا أحبك . ابتسم صابر وبدا عليه الخجل ، ثم قال : تعال أريك كيف يعمل القطار . وشرع صابر يعلم سامي طريقة تركيب قطع السكة الحديد وأخذ سامي يناوله القطع مبهورا لم تفارق شفتيه ابتسامته الطفولية وفرحة الطبيعي بالألعاب ، ومكثا حتى قارب وقت الظهيرة وهما يلعبان بالقطار ثم بالسيارات الكهربائية ثم بالدمى والمكعبات ولم يترك سامي لعبة إلا وجربها وتناثرت الألعاب في أرجاء الغرفة ، ومازالا كذلك حتى جاءتا كل من أم صابر وأم سامي معلنتا انتهاء وقت الزيارة ، لكن تعلق سامي بالألعاب التي لم ير مثلها في حياته جعله يقول راجيا : ماما ليس الآن ؟ أرجوك دعينا نلعب قليلا ؟ أم سامي التي لم يعجبها تعلق ابنها بألعاب صابر فحملقت له مهددة متوعدة : أما تشبع من اللعب ؟ ، هيا بنا فوالدك سيغضب إن لم يجد طعام الغذاء . ضحكت أم صابر وقالت : صدقت ، والله إن هؤلاء الرجال لا يثيرهم أكثر مما يثيرهم الجوع . أم سامي وقد رمقتها بنظرة استغراب قائلة : لكن لديك خادمة ، تغنيك عن عمل المطبخ . أم صابر : هل تصدقي ؟ أبا صابر لا يأكل إلا من يدي مع أن خادمتنا طاهية ماهرة ، ولقد طلبت مرة من المرات من الخادمة أن تطهو الغداء لألم بسيط أحسسته بظهري ولقد أشرفت بنفسي عليها أثناء الطهي حتى لا تتغير المقادير فيفتضح أمري فلما أن جلس أبو صابر على السفرة وقبل أن يتذوقه مكث يتفحصه بعين ثاقبة ثم سألني أأنت من طهى الغداء ، فأجبت بالجزم وكدت أشك أن به شيء غير ما أشرفت عليه فتناولت لقمة ومضغتها جيدا فلم يكن به غير المذاق المألوف الذي دائما أطبخه له ، لكنه لما تذوقه قال : أمتأكدة من ذلك ؟ فهززت رأسي بالإيجاب وقلت : هل لديك شك ؟ فتناول لقمة أخرى مضغها جيدا وما إن بلعها حتى رمقني بنظرة عتاب وقال : ليتك لم تكذبي ، وقام من السفرة ولم يتناول غذاءه ذلك اليوم . أم سامي : كذلك أبو سامي ، نهاني أكثر من مرة أن تطبخ أمي طعامنا ، وعندما تطبخ أمي يعرف أنها من طبخته مع أن أمي هي من علمتني وأنا أسير على خطاها وفي الحقيقة لا أعرف كيف يفرق بين طبخي وطبخ أمي مع أنني لا أجد فرقا في الطعم بين ما تطبخه وأطبخه . أم صابر : يبدو أن حاسة الذوق لدى الرجال أقوى من حاستنا . أم سامي : يبدو كذلك ، لقد أسعدتنا ضيافتكم ! أم صابر التي بدت بشوشة : بل نحن الذين سعدنا بزيارتكم ، ولو أنه لي عليك عتب ، فأنت تزوريننا في السنة مرة ، مع أنك تزورين غيري أسبوعيا وحتى يوميا ، فلماذا هذه القطيعة ؟ أم سامي وقد بدت خجولة من هذا العتب : لا والله يا أم صابر ، ليس بقطيعة ، وإن كنت تقصدين أم حسن فكما تعلمين هي جارتي لصيقة لبيتي الجدار بالجدار وإن غبت عنها يوم وافتني في اليوم الذي يليه تسأل عن سبب تأخر زيارتي ، وهي تحب أن تطمأن على جميع الجيران دون استثناء جزاها الله عن الجميع كل خير ، لكنني ولو لم يكن لي عذر مقبول أغلب وقتي أوزعه لرعاية أبنائي وأبوي فأنا كما تعلمين البنت الكبرى لوالدي وهما قد كبرا في السن يحتاجان مني لرعاية عن كثب ، فما عدت أجد وقتا لزيارات جاراتي ووالله إنهن كلهن يعتبن علي مثلك وأكثر ، ثم إنك يا أم صابر أيضا مقلة في زياراتك لي ! أم صابر : صحيح لكنني لست مثلك ، فقد زرتك في العام الماضي أربع مرات أولها يوم أن أسقطت جنينك ، وثانيها يوم مرضت زوجة خالك وثالثها بعد أن عدنا أنا وأنت من عزاء أم أيوب في زوجها والأخيرة كانت قبل شهر يوم أن احترق منزل أم حمد فمررت عليك بعدهم وأديت واجب زيارتك ، أما أنت فمتى كانت آخر زيارة منك ، سأخبرك ، كانت قبل عام يوم أن توفت جدة أبو صابر وبعدها لم تدخلي بيتي إلا هذه المرة ، أم سامي إن لك في قلبي محبة كبيرة ولولا هذه المحبة لما عاتبتك ، فكما تعلمين العتاب صابون القلوب ! أم سامي والتي ازداد خجلها : والله ما أحببت إلا من أحبك وأنت صادقة ، فأنا قصرت في حق زيارتك ، وأعدك أن لا أقطع ودك فأعذريني ؟ أم صابر وهي تحضنها : معذورة ولكن لا تنسيني ، ثم لا تقطعي عنا سامي فكما ترين بأم عينك صابر وجد صديقا جديدا لن يفرط فيه مهما كان . وضحكت المرأتان قليلا ثم قالت أم سامي لولدها : سامي يكفي ، فأبوك سيقلب علينا البيت جهنم حمراء ، هيا يابني ؟ سامي وقد بدا متضايقا من حثها له : ثرثرا معا ، فما زال الوقت باكرا . عندها غضبت أم سامي وانحنت إليه وسحبته من ساعده بقوة قائلة له : لا تتفلسف ، واسمع الكلام . ويبدوا أنها آلمته بجره من ساعده فصرخ باكيا وانهالت دموعه بسرعة فائقة ، فتناولته أم صابر قائلة : ما هذا يا أم سامي ، لقد قسوت عليه فساعده يؤلمه . أم سامي : أنت لا تعرفيه جيدا ، فهو ما إن يرى ألعابا حتى يلتصق بها وكلما أخذته معي في زيارة مارس علي هذا الدلال الزائد . |
30-04-07, 02:14 AM | #2 |
من كبار الشخصيات
|
أم صابر : كل الأطفال هكذا ، وقد كنا مثلهم نحب اللعب ولكن يجب علينا نحن ذويهم أن نكون أكثر صبرا على هذه الزهور الغضة الطرية . ثم احتضنت سامي قائلة : دموعك غالية علي فلا تبك ؟ فالتصق بها كمن يشكو لها قسوة أمه ، فقالت له : آلمتك آسفة يا حبيبي . فقال وهو تنتحب : ليس عليك أن تعتذري خالتي ، لكنها هي التي عليها أن تعتذر ! قالت وهي تبعده عن صدرها بكل عطف : ارني ذراعك يا لك من مسكين ، أعتذر نيابة عنها . فانحنت أم سامي واحتملت ابنها قائلة : أنا آسفة . ثم قبلته على خده . لكنه بدا أنه غير راض عن أسفها وقبلة اعتذارها وهو يكفكف دموعه بكمه . فقالت له : قلت لك آسفة أما في قلبك الصغير رحمة فتغفر زلة أمك حبيبتك ؟ قال وقد هدأ بكاءه قليلا : سامحتك ، ولكن لا تكرريها مرة أخرى ؟ قالت : أعدك . وابتسمت له ثم انتزعت منه قبلة قوية . فيما قال صابر لأمه : أتسمحين لي ماما ، أريد إعطاء سامي من ألعابي ؟ قالت وقد أفرحها كرم ابنها : بكل سرور . فحمل ثلاثة من أنفس ألعابه وأغلاها وقدمها لسامي الذي كان متعلقا برقبة أمه وقال : سامي هذه مني هدية ، وإن شئت غيرها فاختر ما شئت من الألعاب فكلها بين يديك . أنزلته أمه عن صدرها للأرض فنظر سامي لصابر مستغربا وفرحا في آن واحد وقال : لكن هذه أحدث ألعابك وأنفسها ، لا أستطيع أخذها . أم صابر : لا يغلى شيء على الغالي ابن الغاليين ، خذها فنبينا عليه الصلاة والسلام قبل الهدية . نظر سامي إلى أمه وكأنه يأخذ إذنها بقبول الهدية . فقالت متظاهرة بعدم المبالاة : لا دخل لي . قال : أخشى أن والدي سيغضب . قالت : وهذا أيضا ليس من شؤوني . فقال راجيا : ماما ؟ فقالت : لا دخل لي ! فقال : إذا ستخبرينه أنني لم أطلبها ! فقالت أم صابر : ما هذا يا صابر .. أكيد أنك لم تطلبها بل صابر يهديك إياها كعربون محبة وصداقة أدامها الله عليكما ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تهادوا تحابوا ) وصابر أحبك كما لو أنك أخاه أليس كذلك يا صابر . فبدا على صابر الخجل وهو يقول : بلى صحيح . فقال سامي : وأنا أيضا أحب صابر لكن . فقالت أم صابر : إذا خذها ولا تحزن من تحب وأحبك بحق . قال : أقبلها بشرط ! أم سامي : عجيب شحاذ يشترط ! سامي : أسمعت يا خالة تقول أمي عني شحاذ ونحن مازلنا عندكم فكيف لو ذهبنا للبيت ، لا أريدها . لكن أم صابر رمقت أم سامي بنظرة توبيخ وقالت : أمك لا تقصد يا بني أنك شحاذ ، بل تقصد مطلق المثل ، قل شرطك ولا عليك . قال : شرطي أن تعدني أمي أن تخبر والدي أنكم أعطيتموني اللعب دون أن أطلبها وتخبره أنني رفضتها مرارا لكنكم أصررتم علي فما استطعت أن أرفض حتى لا تغضبوا مني . قالت أم صابر موجهة كلامها لأم سامي : عديه بما طلب . أم سامي : لا دخل لي . أم صابر : عديه ، وإلا . أم سامي : وإلا ماذا ؟ أم صابر : لن أدخل بيتك بعدها . فأذهلت أم سامي لهذا التهديد وقالت : ما كان ينبغي أن تقولي ذلك . أم صابر : ابنك يريد الألعاب لكنه خائف مما سيواجهه من عواقب ، أي رحمة في قلبك يا أم سامي يهبك الله طفلا بهذا الجمال وخفة الروح فتحرميه من هدية صديق . أم سامي مستنكرة : لكنني ما منعته من أخذها ، إذا أرادها فليأخذها . أم صابر: لن يأخذها بدون وعد منك . ثم ابتسمت وقالت لسامي : أليس كذلك ؟ أشار سامي برأسه بالإيجاب ، فأسقط في يد أمه وقالت : يبدو أنك تغلبت علي أيها العنيد ، أعدك . قال : لا ليس هكذا ، رددي ما أقول .. أعدك أن أخبر والدك أنك لم تطلب الألعاب وأن صابر أعطنيها هدية ، وأصر هو وأمه على أن أخذها . فرددت بعده ما قال ثم قالت : هل اطمأن قلبك الآن أيها العنيد ؟ قال : نعم . ثم تناولها من يد صابر مبتسما وهو يقول : شكرا . فساعدته أمه بحمل لعبتين فيما احتفظ بالثالثة محتضنها بصدره كمن يخشى أن يأخذها منه أحد وخرجا من غرفة صابر للبهو ومنه للفناء الخارجي الذي توقفوا فيه لتلبس أم سامي عباءتها فقال سامي : خالتي لا تزوريننا بعد اليوم بدون صابر ؟ فانحنت إليه وطبعت قبلة على خده ثم قالت : إن شاء الله . فوجه كلامه لصابر قائلا : لدينا فناء كبير نستطيع أن نلعب فيه كرة القدم ، يجب أن تأتي لنلعب ولترى الأشجار التي لدينا وخاصة شجرة اللوز الهندي . فقال صابر : حاضر سآتي إليكم . سامي : وعد ؟ صابر : وعد . أم صابر لولدها : قل إن شاء الله ؟ وخرج سامي وأمه من باب الدار فلحق بهما صابر للشارع وظل يلوح لهما مودعا حتى اختفيا عن ناظريه ، ثم دخل للدار فوجد أمه قريبة من الباب فقال : متى نزورهم ، ماما ؟ قالت : قريبا إن شاء الله . |
30-04-07, 02:15 AM | #3 |
من كبار الشخصيات
|
(2) كان البرد قارسا وكانت العائلة مجتمعة حول موقد الفحم الذي ناره لم تزل مشتعلة منذ الغروب بينما كان سامي متجمعا حول نفسه وملتفا ببطانية مهترئة يرتعش ، نظرت إليه الجدة مطولا ثم أرادت أن تقول له شيئا لولا أن انتابتها نوبة سعال طويلة وما أن هدأت نوبة السعال حتى قال أبو سامي : لا بد أنك أصبت ببرد ، عمتي أدخلي للكوخ ، أشارت له بيدها الهزيلة أن لا تكترث بي . أبو سامي : أم سامي ، اصنعي كوب زنجبيل لأمك . الجدة : أنا بخير ، لا تقلق علي ، لكن ربما أراد سامي كوب الزنجبيل ، أتريد الزنجبيل يا ولد . هز سامي رأسه وهو مازال على حالته قبل برهة . الجدة : مالك لا تتكلم يا ولد ؟ سامي بصوت مرتجف : بردان جدتي . الجدة : أنت صغير وتقول ذلك فماذا تقول عجوز هزيلة مثلي ؟ سامي : تقول بردانة . ضحكت الجدة واختلطت ضحكاتها بسعالها ثم قالت : تعال أدنو مني يا بني سأدفئك . دنا سامي من الجدة وأندس في حضنها متكورا على نفسه . الجدة : هاه كيف تشعر الآن ؟ سامي : الآن أفضل ، جدتي هل كنت تشعرين بالبرد مثلنا وأنت صغيرة ؟ الجدة : نعم كنت أشعر به قارس جدا لأننا يا بني قد لا نجد نارا تدفئنا . سامي : ولماذا ، أما كان لديكم شجر تقطعون خشبها فتشعلونها فتدفئكم . الجدة : كانت الأشجار قليلة وحتى هذه القليلة تقطع ويذهب بها الحطابون للسوق ليبيعوها . سامي : ولماذا لا تشترونها منهم ؟ الجدة : لأننا لم نكن نملك المال ، فقد كنا فقراء جدا . سامي : لكننا الآن لدينا مال أليس كذلك يا أبي ؟ الأب : نعم لدينا الكثير . سامي : جدتي لا تخافي بعد الآن من البرد . الجدة : أخاف وأنت معي وأبوك لديه مال لا لن أخاف بعد الآن . جاءت أم سامي ومدت كوب الزنجبيل للجدة قائلة : تفضلي يا أمي ، الزنجبيل . تناولت العجوز الكوب وقالت هو لابني خذه يا سامي . سامي : هل به حليب ؟ الأم : لا يوجد لدينا حليب . سامي : لا أريده اشربيه أنت جدتي . الجدة : سنتقاسمه إذا ، اتفقنا . سامي : لا أحبه بدون حليب . الجدة : كفاك دلالا يا ولد ، ولا تغضب جدتك ؟ سامي : لا أريد إغضابك ، أبي قال لي ذات مرة إذا أغضبت جدتك يغضب الله . الجدة : إذا لن أغضب شرط أن تقاسمني إياه ، اتفقنا ؟ سامي : اتفقنا . الأم : أبو سامي متى تريدنا أن نذهب لزيارة بيت أبو صابر . الأب : غدا صباحا ، إن شئت ، كان الله في عونهم . الأم : الله يصبرها ، ويشفي ولدها صابر . سامي : ماذا به صابر ؟ الأم : مريض يا بني ، أدع له بالشفاء . الأب : سمعت أحد الأصدقاء يقول أن هذا المرض ليس له دواء حتى الآن . الجدة : الله الشافي . سامي : ما مرضه يا جدتي ؟ الجدة : حماك الله يا بني يقولون هو شلل . سامي : لم أسمع به من قبل ، أهو مثل الزكام ؟ الجدة : لا يا بني هو مرض ... وسكتت برهة ثم قالت : أرأيت الهر كيف يسير ؟ سامي : نعم على أربع . الجدة : إن صابر كمثل الهر يسير على أربع . سامي : لكنه قبل أسبوع كان يمشي مثلنا . الجدة : الآن لا يستطيع . سامي : لماذا ؟ الجدة : لأنه مريض بالشلل . سامي : لو وجدت الشلل سأضربه حتى يترك صابر . الجدة : قل يحمينا الله يا ولدي ، وادع الله أن يشفي صابر . سامي : أنا أحب صابر ، وسوف أدعي الله أن يشفيه . الجدة : أتحبه أكثر منا ؟ سامي : لكن صابر يحبني ، أعطاني ثلاثة من ألعابه أنتم لم تعطوني ولا واحدة لكني أيضا أحبكم . الأب : بني نحن نحبك لكننا لا نملك مالا للألعاب . سامي : أما قلت قبل قليل لديك مال كثير ؟ أخفت الأم ابتسامة رضا لرد سامي بينما اكتفت العجوز بالسعال . فقال الأب : نعم لدينا مال يكفي فقط للحطب والطعام والملابس ، أما الألعاب فهي غالية لا نملك لها مالا . سامي : لا أريد ملابس أريد ألعاب ، عندي ملابس تكفي . الأب : حسنا حسنا ، سأشتري لك لعبة ، لقد هزمتني . سامي : جدتي أحكي لي قصة . الجدة : أنا تعبة ، سأقصها لك غدا . سامي : جدتي أرجوك . الجدة : سوف ينتابني السعال ولن أستطيع الحديث كثيرا . سامي : إذا جاءك السعال سأضربه ليدعك وشأنك . الجدة : حسنا أيها الشجاع ، ولكن لا تقل أنك خائف إذا حكيت قصة الغول . سامي : لا أريد قصة الغول ، أحكي لي غيرها ، لا تخوفيني . الجدة : أتخاف من الغول ونحن معك . سامي : قال أحمد ابن الجيران أن الغول لا يراه إلا الصغار فقط ، أما الكبار فهم لا يرونه . الجدة : هذا غير صحيح ، فالغول ليس موجودا أصلا ، فلا يراه الصغير ولا الكبير . سامي : لكن أحمد رآه . الجدة : الأبناء العاقلين مثلك لا يرونه ، فقط يراه الأشقياء فهل أنت شقي ؟ سامي : لا أنا عاقل ، لكن أحمد هو مدلل وشقي . الجدة : لا يا بني لا تحكم على الناس بهذا الشكل ، فتقول كلاما قبيحا ، الأطفال العاقلين لا يشتمون الناس . سامي : أنا ما شتمته ، أمه قالت عنه مدلل وشقي . الجدة : فلتقل عن ابنها ما تشاء ، أما نحن فنقول الله يهديه ، وإذا شتمنا شخص ما .. فماذا نقول ؟ سامي : الله يسامحك . الجدة : أنت الآن ابني العاقل . سامي : أرجوك جدتي قصي لي حكاية ؟ الجدة بعد أن سعلت قليلا : حاضر حبيبي . وشرعت تقص له حكاية لم تكن فيها غول حتى نام على حجرها . |
30-04-07, 02:16 AM | #4 |
من كبار الشخصيات
|
(3) ظل سامي يبكي لأن والده لم يوافق على ذهابه لبيت أبو صابر معهم عندها قالت الجدة : أبو سامي ، يابني إن المرض والشفاء بيد الله وبأمره ، فلا تكن ضعيف إيمان بالقضاء والقدر أو نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ) . الأب : لكن يا عمتي ، درهم وقاية خير من قنطار علاج . الجدة : أنت تعلم مقدار حب الصبي لصابر ، فلا تحرمه رؤيته . الأب : أخاف أن يكون المرض معدي . الجدة : توكل على الله يا بني ، فسامي لا يريد البقاء لدى الجيران ، وأنت تعلم بمشاجراته الدائمة مع أحمد ابنهم . الأب : ما هناك خيار آخر . الجدة : يا بني أين إيمانك وصلواتك ، قل توكلت على الله ، وتذكر قوله تعالى : ( وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) . الأب : استغفر الله . الجدة : نعم استغفر ربك ولا تشرك به بداعي الخوف على الصبي من التقاط العدوى . سامي مازال يبكي بصوت مرتفع عندما قال له أبوه : كف عن البكاء سنأخذك معنا ولكن إياك أن تتشاقى . سكت سامي من بكائه ومسح دموعه بكم ثوبه وهز رأسه بالإيجاب ، فقالت الأم : أغسل وجهك ، والحق بي أغير لك ملابسك . قال بصوت متهدج متقطع : حاضر أمي . وذهب فغسل وجهه وعاد لأمه مسرعا ، فوجدها قد أخرجت ملابس العيد التي تتكون من بذلة عسكري مع خوذة ورشتها بالعطر ، وبعدما بدلت له ثيابه تناولت مشطا فمشطت له شعره ، ثم انهالت عليه بوابل العطر . سامي : أأرتدي الجزمة الجديدة ؟ الأم : نعم ودعني أساعدك على لبس الجوارب الصوفية ، أحضرها من الصندوق الخشبي . ذهب إلى ركن الكوخ حيث الصناديق ، ووقف أمام الصندوق الخشبي ، مد يده إليه وفتحه وقلب الملابس التي بداخله على عجل ثم تناول فردة جورب رفعها عاليا وقال : هذا الجورب أمي ؟ الأم : نعم هو .. فتش عن الفردة الثانية حتى وجدها ثم عاد لوالدته التي كانت تتمتم بكلمات مع نفسها ، قال سامي وهو ممسك بكتف أمه التي تلبسه الجورب : ماذا تقولين ؟ الأم : أرقيك . سامي : لماذا ؟ الأم : ليحميك الله شر الحاسدين . سامي : من هم الحاسدين أمي ؟ الأم : أخبرك فيما بعد ، ثم ناولته خدها قائلة : قبلة لأمك الحبيبة . قبلها على عجل ولحق بوالده وجدته ، فوجد والده قد أكمل هندامه ووقف وجدته ينتظرانه وأمه ، أمسك بخنصر والده ووقف بجانبه حينما قال الأب : بسرعة يا امرأة . سامي مرددا : بسرعة يا امرأة . الأب : قل يا ماما . سامي مع ضحكة يكاد يخفيها : قل يا ماما . انحنى الأب إليه قائلا : أنت تقلدني هاه . ضحك ببراءة ثم قال : أنت تقلدني هاه ، ومد بآخرها . فما كان من الأب إلا أن أمسكه ورفعه عاليا فوق رأسه ثم أخذ يدغدغه بذقنه على بطنه فارتفعت ضحكات الطفل الذي أطلقها كأغنية طفولة ملأت الجو عبير براعم عطره اختلطت بالندى وقت الصباح الباكر . |
30-04-07, 02:17 AM | #5 |
من كبار الشخصيات
|
(4) لم يكن في العادة قد استيقظ الناس من رقادهم عندما وصلت عائلة أبو سامي لدى باب منزل أبو صابر الذي قال الأب حينها : أظن أننا جئنا في وقت مبكر . سامي : أهم نيام ؟ لماذا لم يفتح أحدهم الباب ؟. الجدة : لا أظن جدة صابر تنام صباحا . الأم : لعل الجرس متعطل ؟. ما أن سمع سامي ملاحظة أمه حتى طرق الباب بيده بقوه عدة طرقات لم يوقفها غير والده الذي أمسك بيده قائلا : يكفي يا بني ، كن عاقلا ؟. سامي معترضا : لعلهم لا يسمعون ؟ الأب : بني إن للزيارة آدابا علمنا بها الدين . سامي : ماهي بابا ؟ الأب : كأن تطرق الباب طرقا معتدلا . سامي : كيف تكون معتدلة ؟ الأب : يعني أن لا تطرق الباب بشدة كمن يريد كسره ، ولا أن تطرق الباب متراخيا لا يسمع أهل الدار ، بل طرقا متوسطا يسمع الصاحي ولا يوقظ النائم . سامي : وإن كانوا نياما ، أنظل نطرق الباب ليوم كامل ؟ الأب : كلا يا بني ، تطرق ثلاث مرات تنتظر برهة بين كل مرة ، ثم تمسك بعد الثالثة . سامي : وإن لم يفتح أحد الباب بعد الثالثة إلى متى ننتظر ؟ الأب : إن لم يفتح الباب بعد الثالثة ، فعليك المغادرة . سامي : لكن هكذا لن نزورهم ، إن كانوا نياما . أبو سامي : وهذا من الدين والمحافظة لحقوق الغير وحرمات الناس ، فما تفيد أن توقظ النائم الذي لم يأخذ كفايته من النوم فتأتي لزيارته وهو لم يكن مستعدا لها فيتضايق ويكره مجيئك ، بل لابد من تخير وقت مناسب للزيارة . سامي : إذا هيا بنا نعود . الأب : لماذا ؟ سامي : الوقت غير مناسب للزيارة . الأب : كيف عرفت ذلك ؟ سامي : لا أحد يحب الإستيقاظ باكرا بمثل هذا الوقت . الأب : من لا يحب ذلك هم الكسولون ومضيعي الصلوات ، أبو صابر صلنا معنا الفجر في المسجد وأخبرني أنه لا ينام بعد الفجر ، ورحب بزيارتنا . سامي : إن كبرت وكان لي بيت ، سأكتب ورقة على الباب لا أسمح بالزيارة في الصباح من أجل أن أنام . الجدة : بهكذا تطرد الناس ، ولن يحبك الناس . سامي : إذا أكتب لهم تعالوا بعد ما أفيق فأنا أحبكم . الأم : سيقولون أنك بخيل . سامي : إذا لن أضع ورقة وسأنام بجانب الباب حتى أسمع أي طرق ولو كان خفيف فلا يقولون عني بخيل . عندها سمعوا صوت رقيق لطفلة من الداخل يقول : من . ومدت بها قليلا . الأب : أبو سامي . الطفلة : لحظه ، سأفتح الباب . الأم : هند ، افتحي الباب يا ابنتي . الطفلة : حاضر خالتي . ثم سمعوا أصوات المزلاج وانفتح الباب ، فبدت طفلة في عمرها الثامن شديدة الجمال ، قالت أم سامي : ما شاء الله عرفتك ياهند من صوتك . وما هي إلا خطوات حتى دلفوا جميعا للدار قالت أم سامي وهي تقبل الطفلة : متى جئتم من الرياض ؟ أجابت : بالأمس . أم سامي : الحمدلله على السلامة ثم التفتت نحو العجوز قائلة : أمي أما عرفتها ، إنها هند ابنة أخ أبو صابر الذي يسكن في الرياض . الجدة : ما شاء الله على جمالها وانحنت تقبلها . وهكذا وجد سامي بدل صابر فتاة تدعى هند أكبر منه بثلاث أعوام لكنها بدت جميلة بثوبها الزهري القصير المنتفخ من الأسفل وبدت كأنها دمية بتلك الجوارب الرقيقة الطويلة وخفيها الورديين . ولجن النسوة للدار تسبقهم هند وظل هو ووالده ينتظران من يخرج إليهم فجأة جاء رجل متوسط القامة قمحي اللون ذو شاربان كثيفان وكان يرتدي ثوب نوم مقلم وعلى رقبته منشفة فلما رآه أبو سامي قال : أبو صابر ، كيف حالك .. حينها عرف سامي أن الرجل أبو صابر ولم يكن قد رآه من قبل .. قال أبو صابر مرحبا : أهلا ومرحبا ، يا مرحبا أبو سامي .. ثم تقدم وتعانقا ثم التفت إلى سامي انحنى إليه وقبله وبدا أنه يخفي دمعة رآها سامي تبرق داخل عينيه . أبو سامي : سلامة صابر . أبو صابر : الحمدلله ، كله مقدر ومكتوب . أبو سامي : ونعم بالله . وانهالت الدمعة المحبوسة في عيني أبو صابر فسقطت وخبئ وجهه تحت المنشفة المتدلية على صدره فاحتضنه أبو سامي قائلا : أذكر الله يا رجل ، أنت رجل مؤمن . أبو صابر منتحبا : ونعم بالله . ولجوا لغرفة الضيوف وكان سامي يتبعهم وكان يتقدمهم أبو صابر الذي مازال يعاني من نوبة بكاء خفيفة فكان أبو سامي يخفف عنه ويذكره بالله وأن المرض والشفاء بأمر الله . أبو صابر : نسأل الله اللطف . أبو سامي : كفارة يا رجل . قال أبو صابر : أي ذنب فعله صبي في السابعة لم يكتب القلم عليه بعد . أبو سامي : يا رجل لا تقل ذلك ، لعل له فيه خير . أبو صابر : اللهم لا اعتراض . أبو سامي : نعم أحسنت قل اللهم لا اعتراض . دخلت عليهم هند في بهائها الذي رآه في الخارج وبدت أنها أخف ظلا من ذي قبل لنفس سامي تقدمت نحو أبو صابر انحنت إليه وهمست له في أذنه . أبو صابر مكفكفا آخر دمعة سقطت : حاضر ، حاضر ، ثم قام مغادرا الغرفة . أبو سامي : هند أين أبوك ؟ هند : عاد للرياض لديه عمل . أبو سامي : وكيف حاله . هند : من أبي ؟ ، بخير ، ثم أردفت مخاطبة سامي : إذا أنت سامي الذي يسأل عنك صابر . سامي : هل سأل عني . هند : نعم ، سأل عنك كثيرا وحدثني عنك كثيرا . سامي : ماذا قال لك ؟ اقتربت حيث يجلس سامي وجلست بجانبه تأرجح رجليها وقالت بصوت لا يخلو من الدلال : صابر ابن عمي وهو كأخي ولا يخفي عني شيء واستدركت يقول عنك أنك مثل أخوه ، وسكتت برهة ثم قالت ويقول أنه يحبك . سامي : وأنا أيضا أحبه وهو أخي . هند : هل تدرس ؟ هز سامي رأسه بالنفي . هند : أمازلت صغيرا ؟ سامي : عمري خمسة . هند : ظننتك أكبر من ذلك . سامي : وأنت أتدرسين ؟ هند : سأنهي الصف الثاني نهاية هذا العام . سامي : أين صابر ؟ هند : وضعوه في غرفة في الدور الثاني مع خادمة لا تسمح برؤيته والاقتراب منه . سامي : لو رأيت هذه الخادمة سوف أضربها . هنا تدخل أبو سامي قائلا : تأدب يا بني مع الذين هم أكبر منك . سامي : لكنها تحبسه يا أبي . أبو سامي : هي لا تحبسه ، لكنها ترعاه لأنه لا يستطيع إطعام نفسه أو قضاء حاجته . سامي : لكنها شريرة . أبو سامي : كيف عرفت أيها المتحاذق . سامي : لا تسمح لأحد بأن يراه ، أو ليست شريرة أبي ؟ أبو سامي : بل تسمح برؤيته إن لم يكن هناك ما يمنع . هند : لكن ياعم هي لم تسمح لي في الصباح برؤيته . أبو سامي : لعله كان نائما . سامي : أبي أريد رؤيته ؟ أبو سامي : سنذهب سويا انتظر عمك أبو صابر يأتي فيأخذنا لرؤيته . هند تخاطب سامي : هل تلعب معي . سامي : نعم ولكن ماذا سنلعب . هند : هناك أرجوحة في الفناء الخلفي ، أتحب الأرجوحة . سامي مخاطبا أباه : أبي سأذهب مع هند نلعب بالأرجوحة . أبو سامي : لا تصعدوا لصابر إلا معنا ، أفهمتم ؟ هند : نعم عمي . وجرت هند خارج الغرفة وكانت تجري متمايلة برأسها يمنة ويسرة فتتمايل ضفيرتها يمنة ويسرة وبدت غاية في المرح لوجود سامي الذي يتبعها بجريته المعتادة النشطة القصيرة الخطوات . |
30-04-07, 02:18 AM | #6 |
من كبار الشخصيات
|
(5) كان الصباح مشرقا باردا حينما ساعدت هند سامي لامتطاء الأرجوحة التي تدلت من شجرة عالية كانت في الفناء الخارجي لمنزل أبو صابر وكانت رائحة أوراق شجر الليمون وشجر المانجو ورائحة أزهار الفاغي التي اختلطت بالفل المتدلي تعبق نسيما زاد من نشوة الطفولة ومرحها البريء لدى الطفلين هند وسامي وكانت هند تدفع سامي فيتأرجح الثاني مطلقا ضحكاته العذبة ، سمع صابر تلك الضحكة المألوفة له فتجدد الأمل لديه وارتسمت على شفتيه ابتسامة الفرح بمقدم هذا الضيف العزيز على النفس قال لخادمته : قربيني من النافذة ؟ الخادمة : لماذا ؟ صابر : أريد رؤية سامي وهو يتأرجح . قربت الكرسي ذو العجلات وحملته ثم وضعته عليه ، ودفعته حتى ألتصق بالنافذة المفتوحة أصلا قدم جذعه للأمام ورأى هند تدفع سامي على الأرجوحة وسامي مازال يعزف لحن ضحكاته التي لا تفارق شفتاه ، نادى عليه : سامي ، لكنهما لم يسمعاه نادى بصوت أعلى قليلا وساعدته خادمته فنادت معه فرفع سامي رأسه ينظر للأعلى فرأى صابر مطلا برأسه من النافذة وانتبهت هند فرفعت بدورها رأسها ناحية النافذة ، لم تسع الفرحة سامي فقذف نفسه من الأرجوحة كأنه يريد الطيران إلى صابر لكنه سقط على الأرضية الخرسانية وظل ممدا لا يعي شيء ، بينما أطلقت هند صيحة طويلة امتزجت بالذعر والخوف ، وتلاها صراخ الخادمة الذي أنطلق كصافرة إنذار وصابر الذي لم يطق صبره كاد أن يقف على قدميه لولا أن تذكر عجزه فخر حبيس الألم الذي يعتصر جسده الصغير وقلبه المفطور . ألتف حول سامي كل أقاربه ووالده وهو ممدد على سرير أبيض داخل المستشفى ، قال أبو صابر : بشر يا طبيب أهو بخير ؟ الطبيب : ننتظره يستفيق لنكمل بقية الفحوصات . أبو سامي : طمأنا طمأن الله قلبك ؟ كان مازال الطبيب منكبا على الطفل يفحص نبضه فأدار وجهه نحو السائل وبدا عليه عدم الارتياح من السؤال فأخفض نظارته وقال موجها للحشد : من السائل ؟ أبو سامي : أنا أبوه . الطبيب : ابنك بخير يا هذا ، ألا تراه يتنفس بشكل طبيعي ، والأشعة سليمة لا يوجد بها كسور في الرأس والجسد ، أبنك أقوى منك ، فقط يعاني من غيبوبة بسيطة وحالما يفيق سترى أنه أفضل مني ومنك . أبو سامي : طمأنك الله مثل ما طمأنتني . أبو صابر : دعونا نخرج قليلا خارج الغرفة حتى لا نعيق الطبيب عن تأدية عمله . فخرج أبو صابر وقاد معه بقية أقاربه ، بينما مكث أبو سامي بجانب ولده الذي مازال الطبيب يعاينه . فجأة نطق سامي بصوت خفيف قائلا : صابر . سمعه الطبيب فقال : أكانت وقعته بفعل متعمد . أبو سامي : لا لقد سقط من تلقاء نفسه من الأرجوحة . الطبيب : من صابر ؟، أهو الولد الذي كان يدفعه بالأرجوحة ؟. أبو سامي : لا لم يكن يدفعه صبي بل طفلة ودودة جدا ولكن أخبرني كيف عرفت بالاسم ؟. الطبيب : طفلك نطق به . أطبق أبو سامي على فيه بيده وكتم نوبة البكاء التي راودته فأحس الطبيب بالأمر التفت إليه رآه كمن يجاهد في حبس بكاءه لكن دمعته سبقته فسقطت ساخنة وفيرة على وجنتيه . الطبيب : ما الأمر ؟ أبو سامي : لا شيء ، أذهلني هذا الحب الذي يكنه ابني لابن لصديقه صابر وابن جيراننا . الطبيب : أهو طفل بعمر ابنك ؟ أبو سامي : يكبره بعامين تقريبا . ثم أردف : أرأيت من قاد الجماعة لخارج الغرفة . الطبيب : نعم . أبو سامي : ذاك أبو صابر ، صبره الله . الطبيب : لماذا ، أيعاني من شيء ؟ أبو سامي : ليس هو بل صابر ولده . الطبيب : ما به ؟ أبو سامي : حمانا الله ابنه مشلول . الطبيب : لا تخاف ولا تحزن فالطب دائما في تقدم ولعل له أمل في الشفاء ، أما أعطي تطعيمات الحصانة ضد الشلل ؟ أبو سامي : وما هي التحصينات هذه ؟ الطبيب : معنى هذا أن ابنك لم يأخذ التطعيمات أيضا . أبو سامي : لم نسمع أن هناك تطعيمات . الطبيب : بل هناك تطعيمات ضد الشلل والتوفيئيد والدرن ، في أي مستشفى ولد ابنك هذا ؟ أبو سامي : لم يولد في مستشفى ، ولد في البيت على يد ( داية ) . الطبيب : ألم يخبروك في مكتب تسجيل المواليد بضرورة استكمال التطعيمات . أبو سامي : لم نسجله بعد ولم نستخرج له شهادة ميلاد . الطبيب : أما والله إن هذا لإهمال واضح ، ولو كان لي سلطة لأمرت بمعاقبتك ، هؤلاء الأطفال الذين أصابهم الشلل والأمراض الذي لا برء لها هم ضحايا إهمال الآباء وجهل ذويهم ، ما هذا ؟ ، أنت في مدينة ولا تعلم أن مرض شلل الأطفال منتشر وشكل وباءا عجزت معه الحكومات مكافحته وقدمت لكم حكومتكم الدواء والتحصين مجانا فلا تذهب لإعطاء ابنك الجرعة ولم تقم بتسجيله في مكتب المواليد ولم تستخرج له كرت صحي ولا شهادة ميلاد ، وابنك في عمره الخامس ألم يمرض من قبل ؟ ، ما هذا أو لستم بشر مثلنا ؟ أبو سامي : بلى يا سيدي بشر مثلكم نمرض مثل كل البشر لكن لدينا أدوية شعبية تغنينا عن الطب والمستشفيات ، ثم أننا مازلنا بدوا ولو أننا سكنا في المدن والبدو لا يمرضون إلا فيما ندر ، أعدك حينما يقوم ابني بالسلامة ، أستوفي له إجراءات التطعيم جميعها ، أعذر جهلي يا سيدي . الطبيب : لقد عرفت بالأمر الآن فخذ في اعتبارك أن أي تأخير للتطعيمات يعرض ابنك للخطر أكثر . فجأة فتحت عيني الطفل رأى والده واقفا ينظر إليه قال : أبي ، أين أنا ؟ أبو سامي متقدما نحوه : أنت في المستشفى ، وأنت بخير . الطبيب : دعني أفحص عينيك بني ؟ سامي : أبي لا أحس بقدمي . الطبيب : ماذا تقول ؟ سامي : كأنها ليست موجودة . الطبيب : قم ارني قدميك ؟ سامي : لا أستطيع ، ليس لي قدمان . تناوله الطبيب من السرير أوقفه على قدمين هزيلتين لكنه بدا أنه لا يستطيع الوقوف وكأنه لا يملك قدمين بتاتا فقال الطبيب موجها كلامه للأب : أرأيت إلى ماذا قاد الإهمال ؟ أبو سامي : ماذا تقصد ؟ الطبيب : ابنك مشلول أيضا . |
30-04-07, 02:19 AM | #7 |
من كبار الشخصيات
|
(6) كانت العائلة مجتمعه في منزل أبو سامي عندما استيقظ سامي ووجدهم متراصين على الأرائك الخشبية داخل الكوخ الكبير ، فما أن فتح عينيه حتى بدأ يتفحص وجوه الحاضرين فرأى خاله عمر الذي طالما أحبه ، رفع يديه قائلا : خالي ، أحملني . استجاب الخال وبعينيه دمعة عصية ما أن حمله حتى سقطت على مشهد الجميع ، رآها سامي فقال : خالي ألم تقل لي أن الرجال لا يبكون . جاوبته خالته الصغرى التي كان أيضا يحبها كثيرا : نعم يا حبيبي الرجال لا يبكون ،، وقامت فتناولته من أخيها ثم احتضنته وانهمرت دموعها هي الأخرى ، قالت الخالة الكبرى : لا تفجعوا الولد ، واحتملته الأخرى وأجلسته على فخذها وظلت تمسد شعره لكنه مقاطعا هذا الصمت والحزن الذي حل بالجميع : أنا لا أبكي ، فماذا تبكون ؟ قالت الخالة : أنت رجل لا تبكي ، أنت أقوى منهم يا بني . قال : لكنني أعرف لماذا تبكون ، أنتم تبكون لأنني أصبحت أمشي على أربع كمثل الهر ، أليس كذلك ؟ فانفجر الجميع يبكيه في حزن بالغ وانهمرت أدمعهم حتى تلك الخالة الشجاعة التي تظاهرت بأنها لا تبكي لم تستطع تحمل الموقف فناولته لأمها العجوز وخرجت من الكوخ وهي تغطي وجهها بوشاحها ويتبعها نحيبها . مكث الجميع يبكي دون استثناء وكانوا الوالدين وخالتين والجد والجدة وخاله عمر إلا أن البعض لم يشأ أن يراه سامي بهذه الحالة فخرج مغطيا وجهه بكمه أو بعمامته أو بوشاحه كالنسوة ، فخرجت خالتيه وخاله وأبوه وظل البقية يبكونه أمامه فما كان منه إلا أن بكى لبكائهم لكن الجد الذي يبدو أنه هدأ قليلا من موجة البكاء واستجمع قواه ليقول : سمعت أن الحكومة أحضرت طبيبا متخصصا لهذا المرض من إيطاليا . حينها عاد أبو سامي وقد مسح أدمعه واستجمع قوته فردد الجد : أسمعت يا أبا سامي ما قلت ؟ فهز أبو سامي رأسه بالنفي ، فتابع الجد قائلا : يقولون أن الحكومة أحضرت طبيبا متخصصا لهذا المرض من إيطاليا . قال أبو سامي : أنت تعرف الأطباء الإيطاليين يا عم هم ماهرون والعلم عندهم متقدم عنا ، هل تذكر ذاك الطبيب الإيطالي الذي عالج أم سامي ؟ الجد : نعم أذكر ، كيف لا أذكر وكل الأطباء قالوا لا بد من عملية جراحية لتنظيف الرحم من بقايا الجنين الميت ، وهو الوحيد الذي قال علاجها بالإبر والعقاقير . أبو سامي : في الحقيقة أنا أثق جدا بالإيطاليين ، إن لهم باعا في شتى العلوم . رأت الجدة التي كانت ما تزال واضعة سامي على حجرها أن تشارك في الحديث فسعلت قليلا ثم قالت : يا جماعة الله الشافي . تناول الجد الحديث فقال : ونعم بالله ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالتداوي والأخذ بالأسباب وهو القائل : ( لكل داء دواء علمه من علمه وجهله من جهله ) والغرب سبقنا بهذا العلم بينما كنا بدو لا نفقه القراءة من الكتابة . الجدة : لكن رأيت في المستشفى أطباء عرب كثر وكلهم تقريبا فاهمون واجبهم وعملهم . الجد : هم مازالوا يتعلموا صنعة الطب فينا ، إن أغلب ما رأيت من الأطباء العرب هم شباب أنداد أبنائي فمتى تعلموا ؟ ومتى أتقنوا مهنة الطب ؟ أبو سامي : لكن يا عم سمعت أن الحكومة ابتعثتهم للخارج فتعلموا هناك من علومهم على أيد الغرب . الجد : ما زال أمامهم وقت طويل من الخبرة والتجربة ليصلوا لما وصل إليه الغرب . الجدة التي لم يعجبها كلام زوجها المسن : أظن أنكما مفتونان بالإيطاليين والغرب متناسون أن الله هو الشافي والمعافى . أبو سامي : لا يا عمة ما نسينا فإيماننا بالله أكبر ، لكننا نعلم أن العلم لدى الغرب متقدم وكذلك الطب . الجدة : ما أروعكم في الكلام ، المهم غدا تذهبون بالولد للمستشفى . كان الوقت لم يتجاوز السابعة صباحا عندما وصل كل من سامي وأبوه وجده من أمه وعمه أحمد للمستشفى الحكومي الوحيد بمدينة جدة حينها ، فتوجهوا لموظف الاستقبال الذي بادرهم قائلا : أي خدمة ؟ أبو سامي : نعم يا ولدي ، لدينا أبننا هذا مرض بالشلل قبل يومين من الآن . الموظف الذي أشار بيده خلفهم مباشرة : انتظروا على الكراسي تلك فالأطباء لم يحضروا بعد . الجد : شكرا يا ولدي . كانوا ما زالوا ينتظرون قدوم الأطباء عندما حانت الساعة الثامنة فرأوا أطباء من جلدتهم لكنهم بدوا أصغر سنا بل هم أغلبهم مراهقون ، تفكر أبو سامي قائلا في نفسه : أهؤلاء المراهقون حملوا أمانة رقاب الناس وأوجاعهم ؟ والله إن كان هؤلاء أطبائنا فنحن ضائعون لا محالة ، نظر إلى أحدهم وقد بدا أنه من جلدته لكنه بشعر أشقر طويل تعمد إطالته ليتجاوز رقبته ، قال بصوت مرتفع معبرا عن استياءه : هه . نظر الجد إلى أبو سامي متسائلا : ما ذاك ؟ أبو سامي : أنظر لذي الشعر الطويل ، أيبدو عليه شكل طبيب ؟ الجد : هؤلاء هم العينة التي أخبرتك عنهم بالأمس ، شباب لا يهمهم غير المال والراتب ، ولا أظن أنهم يهتمون لآلام الناس وأوجاعها . العم أحمد الذي بدا أنه مستمع جيد : لا هؤلاء متعلمون في الخارج ابتعثتهم الحكومة وصرفت عليهم ليقوموا بخدمة البلد ، لكنهم بدل أن يتعلموا ما ينفعهم تعلموا حتى عاداتهم وتقاليدهم ، لكني أثق في أنهم سيقومون بخدمة البلد على أكمل وجه ، فقط هم يحتاجون للنضج العقلي قليلا ومنحهم الثقة وسوف يتحملون المسؤولية . الجد : أي ثقة هذه التي سأمنحها لمثل هؤلاء ! أنظر كيف يتباهى بمشيته وقل أي انطباع لديك بعدها . العم أحمد : لا تأبه بمشيته فهو مازال شابا يتباهى بالصحة والشباب ، إنني متفائل بهم وأعتقد أنهم خير من يحمل هموم البلد وأوجاع الناس . أبو سامي : أحمد يا أخي العزيز إني أهنئك بتفاؤلك بهذا الجيل ، المتفسخ الأخلاق والمضيع العادات . العم أحمد : كيف لا أتفاءل بهم وأخت زوجتي ولدت على يد طبيب شاب بعملية قيصرية . الجد : بالله عليك ، قل كلاما غير ذلك ؟ العم أحمد : لقد رأيته بنفسي في هذا المستشفى إنه شاب سعودي تعلم في امريكا وكندا وهو من كبار الجراحين في المستشفى . الجد الذي بدا كأنه تسلل لقلبه التفاؤل الحذر : لكن ! أيعقل أن يولد نسائنا طبيب رجل . العم : لا تخف إنهم مؤتمنون ، فقد أدوا القسم على حفظ عورات الناس وحقوقهم وأداء واجبهم . أبو سامي : لن أسمح بطبيب يفحص امرأتي ولو علمت أنها على شفير الموت ولم يبقى في البلد غيره . العم أحمد : كفى يارجل ،، قل كلاما غير هذا ،، أين ذهب الإيطالي الذي عالج أم سامي من الجنين المتوفي في بطنها . أبو سامي : لم ير لها عورة لقد أخفيتها تحت عباءتها وكشفت له فقط منطقة البطن ، ثم كنت مضطرا لاستشارته ! العم أحمد : والطبيب السعودي جاركم ، ما قولك به ، ألم يكن يحقن أم سامي في منطقة الورك . أبو سامي : ذاك رجل بعمر أبيها ومتدين مؤتمن وكنت مضطرا أيضا فلا يوجد في حارتنا غيره وكانت الحقن يومية ومع ذلك كنت أخفيها تحت عباءتين لكيلا ير منها مقدار بنان غير مكان الحقنة . العم أحمد : إذا دفعتك الحاجة ، والضرورات تبيح المحظورات ، أوليس كذلك يا أخي ، وأطلق ضحكة صغيرة . الجد : يا أحمد أخوك غيور جدا لكنه يتماشى مع الواقع والحال ولديه شيخ في الحارة يفتيه فيرخص له بأشياء فيستمع له وينقاد لنصحه . أبو سامي : ( الشيخ إبراهيم ) رجل صالح وهو يفهم في أمور الدين أكثر منا يا عم . الجد : نشهد له بذلك ، لكنك تحبه كثيرا . أبو سامي : أحب الصالحين ولست منهم .... العم أحمد : سمعت أنه مسافر للسودان ، سيجلب عائلته وأولاده . أبو سامي : منح الجنسية بعد تعب ومشقة ، ويريد الآن أن يضم عائلته معه . الجد : الشيخ إبراهيم إيه ،، وأطلقها طويلة . قطع هذا الحديث موظف الاستقبال الذي أشار للقوم أن هلموا . ففز الجميع من الكراسي وتقدموا إليه ، فقال : أعطوني البيانات أدونها ، فأعطوه فدونها وقص ورقة من مذكرة ناولها العم أحمد وقال الدور الثاني عنبر العظام . صعدوا الدرجات المتهالكة للطابق الثاني وعندما وصلوا وجدوا ممر طويل مليء بالمراجعين ، لم يجدوا لوحات مكتوبة تدلهم على عنبر العظام فاستعانوا بممرضة بدت من لهجتها أنها مصرية فأشارت لهم بمكانه وغادرتهم على عجل . دلفو إلى العنبر يحمل الأب سامي بينما يحمل العم الورقة التي أعطاهم موظف الإستقبال والجد ليس بيده غير عصاه التي يتوكأ عليها ، توجهوا فورا للممرضة المصرية التي قالت ضعوه على السرير قالت : مم يشتكي ؟ العم أحمد وهو يناولها الورقة قال : شلل أطفال . أخذت تفحص قدميه وساقيه التي بدت أنها هزيلتين ، في حين جاء طبيب شاب قال : مم يشتكي ؟ الممرضة قالت وهي منكبة على الطفل : شلل . ألتفت الطبيب لمرافقي الصبي قائلا : أخذ جرعة الحصانة . قال الأب : لا لم يأخذها . الطبيب : يأخذ الجرعة أولا ثم نعاينه . الجد : أين الطبيب الإيطالي الذي أحضرته الحكومة جزاها الله عنا وعن المسلمين خيرا . الطبيب : هو الآن يعاين المرضى في عنبر الأطفال ، إذا أردتم رؤيته فهو في العنبر الآخر . الجد : أبو سامي ، خذ الولد دعنا نرى الإيطالي . الطبيب : لكن لازم يأخذ الجرعة أولا . الجد : نرى الطبيب أولا ثم نقرر . الطبيب : أنا أيضا طبيب تعلمت في كندا . الجد : لم نقل غير ذلك ، نريد أخصائي الشلل فقط يعاينه ثم نقرر بعدها ويكتب الله ما فيه خير . الطبيب : مثل ما تريدون . حمل أبو سامي طفله وسحب الجد الورقة من يد الممرضة قائلا : شكرا يا ابنتي . الممرضة : لا شكر على واجب . دلفوا إلى عنبر الأطفال وقرروا رؤية الطبيب الإيطالي الذي كان منهمكا برؤية أطفال أخر أصيبوا بنفس المرض كان معه طبيب سعودي يرافقه ويترجم له من اللغة العربية للإنجليزية ، أخيرا وضعوا الطفل على سرير وجاء الإيطالي يعاينه ، فحص ساقية فحصا دقيقا ثم ألتفت ناحية الطبيب السعودي قال شيئا غير مفهوم ، نظر الطبيب السعودي نحو مرافقي الصبي قائلا : هل أخذ الجرعة . أجاب الأب : لا لم يأخذها . وبدا كأن السعودي ينقل إجابتهم للإيطالي الذي عقب على ذلك بكلام مطول فسره الطبيب السعودي قائلا : يقول لكم لا تعطوه الجرعة بما أنه أصيب بالشلل فالجرعة بعد الإصابة يربط الأعصاب ويقتلها ويمنعها من استعادة عافيتها . قال الأب : لكن هناك طبيب العظام كاد أن يجبرنا على إعطاءه الجرعة . الطبيب بعد الترجمة : لا تستمعوا له هذا المرض جديد على منطقة الشرق الأوسط وليس كل طبيب يستطيع التعامل معه . الجد : وكيف نعمل إذا أجبرنا الأطباء على إعطاءه الجرعة . الطبيب : ارفضوا ذلك رفضا قاطعا وسأكتب لكم ورقة توصية بذلك مع ورقة العلاج . أبو سامي : هل علاجه بالعقاقير ؟ نقل السعودي السؤال للإيطالي فأجابه إجابة بدت طويلة بعض الشيء . الطبيب : يقول لا بدون عقاقير ، علاجه بالتدليك وذبذبات كهربائية فقط ، ويكرر تحذيره الشديد لا تعطوه حقن أو عقاقير فقط فيتامينات مقوية ومدعمة لجهاز المناعة . أبو سامي الذي بدا واثقا من كلام الإيطالي موجها كلامه لأخيه أحمد : أرأيت ، ما كاد يفعله بني جلدتنا في قسم العظام ، كاد أن يضيع الولد بالجرعة . رد بحركة من كتفيه بالعجب ولم ينبس ببنت شفة . ناولهم الطبيب ورقة مكتوبة باللغة الإنجليزية وقال : هنا توصية بعدم أخذ جرعة الشلل والعلاج بالتدليك والكهرباء . تناولها العم أحمد الذي حاول قراءتها ممسكا الورقة بالمقلوب ثم ألتفت إليهم ضاحكا وقال : خربشة وخطوط غير مفهومة ! سحبها أبو سامي قائلا : قرأنا العربي بجهد جهيد ولم نتقنه ، أما لغة أخرى فمن رابع المستحيلات أن نفهمها غير ( ييس ونو وأوكيه ونومبر ون ). سمع الإيطالي كلام أبو سامي فتعجب فقال كلاما غير مفهوم ترجمه السعودي قائلا : أين تعلمتم هذه الكلمات . الأب : راديو بي . بي . سي لندن ... أيام هتلر ون . أشار الطبيب الإيطالي بيديه أن دعوكم من هتلر ثم قال كلاما غير مفهوم أردفها بابتسامة عريضة وقهقهة قصيرة وأشار بعدها بعلامة الجنون بحركة فهمها الحاضرون . ضحك الطبيب السعودي الذي رأى علامات التعجب في وجيه الآخرين الذين لم يفهموا الكلام فقال : يقول الطبيب هتلر ضيع نفسه وشعبه والعالم أجمع ، ثم انتحر لأنه مجنون . فغادروا وهم يضحكون مما سمعوا من كلام الإيطالي الذي لم ينس أن يرسم الضحكة على شفاههم . |
30-04-07, 02:20 AM | #8 |
من كبار الشخصيات
|
(7) كانت الغرفة شبه مظلمة إلا من نور خفيف قادم من النافذة الصغيرة والوحيدة حينما كان سامي ملقيا على سرير بملاءة بيضاء تفوح منها رائحة معقم الجروح بدا أنه مرتبك بعض الشيء حينما رمقته طبيبة مصرية بنظرة تعاطف وحنان ثم أردفت : أنت فتى قوي وجميل ، أليس كذلك ؟ هز الطفل رأسه بالإيجاب ولم ينبس بكلمة ، أردفت الطبيبة : خائف ؟ هز رأسه بالإيجاب ، فقالت : أنت رجل والرجل لا يخاف . ثم تركته بعدما طبعت قبلة على خده ، وعادت مرة أخرى تجر عربة بها جهاز وأسلاك كثيرة تناولت من العربة أنبوب عصار فعصرت على أجزاء من ساقيه من الأنبوب قالت : أتشعر بشيء ؟ هز رأسه بالنفي . قالت وقد بدت أنها تداعبه بابتسامتها : لم أسمع صوتك بعد ، أتتكلم أم أنت أبكم ؟ قال : لا لست أبكم . قالت : نعم هكذا أسمعني صوتك الجميل ، ما اسمك ؟ قال وفي نبرته ارتعاب : سامي . قالت : سامي من ؟ قال : أنا سامي ! وهي تركب الأسلاك على ساقية قالت : يعني ؟ سامي فقط أما لديك أهل تنسب إليهم . قال : بلا لدي . قالت : من هم . قال : حمود ووهيبة . قالت : آهاه إذا أنت سامي بن حمود وهيبة . كان أبا سامي وجده وعمه قادمين من الردهة حينما سمعوا هذا الحوار قال العم ضاحكا أنت سامي بن حمود وهيبة . قال سامي : نعم . الأب : لا تذكر الناس أسماء أمهاتها مع أسماءها ما هذا يا سامي لقد جئت شيئا فريا . قال سامي : الطبيبة قالت ذلك . ويبدوا أن الطبيبة أدارت مفتاح جهاز الكهرباء الذي يطلق ذبذبات كهربائية وموصول بأسلاك ألصقت في أنحاء من ساقي سامي الذي أنتبه فقال : بابا أشعر بالنمل يمشي على ساقي . قالت الطبيبة موجهة الكلام لأبو سامي : هذا طيب ، العصب مازال حي ولكنه ضعيف يحتاج لتنبيه وعدة جلسات حتى يستعيد عافيته . الجد : بشرك الله بالخير ، يا ابنتي . |
30-04-07, 02:21 AM | #9 |
من كبار الشخصيات
|
(8) لم يكن ليعتاد سامي وضعه المقيد بعد فقد كان يجري ويلعب ويجوب المنزل كنحلة طنانة تجوب في الحقول ، نظر إلى ضعفه وتقيد حركته فكأنه أحزنه حاله وهو ملقي على بساط السعف داخل الكوخ الوحيد الذي يملكونه والذي ضم بداخلة المطبخ المتواضع في الزاوية وأربعة أسرة تراصت على الجوانب الأربعة بينما في ركن منه تراصت الصناديق صندوق جدته الخشبي وصندوق جده الحديدي وصندوقين لعمه أحمد وصندوقين لهم أحدهما كبير توجد به ملابسهم والآخر صغير خصص فقط لأوراق ملكية الأرض والأوراق الثبوتية وبعض الأوراق المهمة وبه أيضا النقود وقد كان والده يفتحه فيخرج قطعة معدنية من الفضة فيقول : هذه هدية أمه المتوفاة لأول مولود له ، طبعا لم يكن هو أول مولود ، فهناك فتاة تكبره بعام ولكنها ما إن مرض سامي بالشلل حتى أودعوها في بيت جدها من أمها خوفا عليها من العدوى ، وقتها سامي أفتقدها ، وكان ما يزال على الحصير يفكر يتأمل في حاله وما أصابه من مرض غريب لم يكن له على بال ، تذكر حينها صابر ذاك الطفل الذي بادله الحب وشاركه ألعابه فأبى هو بدوره إلا أن يشاركه المرض ويعرف قسوته وجبروته ، لكن أهله أغنياء سافروا به لأمريكا بحثا عن علاج أما هو فأهله فقراء معوزون ليس لهم طاقة على السفر والعلاج في الخارج ، تفكر مليا وبدا أنه رضي بالنصيب وفكرة العلاج هنا تعجبه مادام هناك ممرضة مصرية تهديه الحلوى القطنية وممرضة أخرى تهديه حلوى الحلقوم ، وأيضا جده وجدته وهداياهم وعطاياهم لقد كان ينتظر دور جده بفارغ الصبر ليحمله للمستشفى ويشتري له لوز من الحجة التي تفترش بباب المستشفى ، حينها قطع تأمله الطفولي صوت نسائي نظر ناحية باب الكوخ فرأى امرأة متوسطة العمر تدلف للكوخ ومعها أمه وجدته ، قالت أمه : هذه السيدة رد عليها التحية يا سامي ؟ رفع بصره قائلا : كيف حالك يا عمة ؟ ردت بصوت هادئ : الحمدلله أخبرني كيف حالك أنت ؟ قال بمرح : أنا .. بخير ، ما دمت تزورينني . قالت وكأنها فرحت بهذا القول : حبيبي ، أنا من لي غيرك ؟ ليس هناك من أحد مطلقا . قال : وأولادك ؟ قالت بنبرة جادة : ما ذا بهم ؟ قال : أولادك أو ليسوا هم لك وتحبينهم أكثر مني . قالت وقد أخفت ضحكتها بيدها : ليس بأكثر منك . ثم أخرجت قرشين ناولته وقالت : أعتذر لم أستطع جلب الحلوى لك أنا آسفة . قال : لا عليك سوف أحتفظ بها حتى أتعافى وأشتري بنفسي . ابتسمت له وناولته في يده وقالت للأم : ابنك هذا جاء بالشر ، فقد أتعبك في ولادته وكدت أن تموتي بسببه وجاء بعده ولد فمات ، وولدت بعده ولد آخر خرج ميتا ، ولم تحملي بعد ذلك ، والآن ترين من أمره . الجدة وقد انتابتها نوبة خوف : وما العمل ياسيدة . السيدة مخاطبة أم سامي : أحضري دلة من الفخار . قامت وتناولتها من رف معلق على جدار الكوخ وناولته السيدة التي طلبت شيء صلب ، فأحضرت أم سامي قطعة حديد بدت قوية وصلبة وناولتها ، قالت السيدة : أجلسوه ، والتفتت للولد قائلة : لا تخاف . بعدما أجلسوه وضعت الدلة الفخارية على رأس الصبي من قفاه وأخذت الحديدة وضربت الدلة عدة ضربات حتى تكسرت وعلا صوت الصبي من الألم ثم أخذت ريق من فمها ووضعته على رأس الطفل وأخذت تفرك محل الألم في رأس الصبي الذي قال بغضب بالغ : اتركيني ، لا تلمسيني . فانصاعت له وباعدت عنه ورآها تخرج من باب الكوخ فقال : تعالي خذي نقودك ، لا أريد منك شيء ، أنا أكرهك كسرت رأسي وما كفاك فتبصقين علي لأن مشيت لأرد بصقتك في وجهك ورمى القرشين ناحيتها . قالت الجدة التي بدا على صوتها نبرة انزعاج : عيب يا ولد . لم تلتفت السيدة إليه وبدا أن النسوة يودعونها فظل يبكي من آلام رأسه طويلا حتى غالبه النعاس فنام وهو يحلم بالسيدة الشريرة التي تؤذي الأطفال وتعذبهم وتارة تضعهم في قدر فتطبخهم لتلتهمهم فيما بعد . كان مازال يبكي حينما جاء والده من العمل بعد الظهر فقال مخاطبا الطفل : ماذا يبكيك ؟ سامي : السيدة كسرت رأسي . الأب مستغربا : أي سيدة ؟ الجدة : أم عبدالله . الأب : ما الذي أتى بها ؟ الجدة : أنا أحضرتها لعل الله يضع في يدها الشفاء وتحل البركة . الأب : لكن يا عمة السادة هؤلاء بشر مثلنا ليس بيدهم نفع ولا ضر ، ولو أنهم ينفعون أحد لنفعوا أنفسهم فاستغنوا بما لديهم عن ما لدى الناس . أم سامي : لعل الله يضع بيديها البركة ، لا تكبر الموضوع . الطفل : أي بركة ورأسي يؤلمني . ثم صاح : آه رأسي . تأوه الأب بحرقة وتقدم نحو الطفل فحص رأسه ثم قال بصوت مغتضب : هناك ورم برأس الطفل وتقولين بركة ، أأشركتم السيدة مع الله في قدرته . الجدة : ما أشركنا وما عبدناها ، فقط أردنا بركتها ، فلا تعطي الموضوع أكبر من حجمه . الأب : هذا هو الشرك والله ، تطلبون بركة السادة ، ماذا بأيديهم فيهبونكم إياه ، بالله أخبروني . الجدة : السادة مجربون وقد كتب الله على أيديهم شفاء الكثيرين . الأب : إذا أنتم تعتقدون بهم وتجعلون لله واسطة من البشر يا لحظي البائس ، أستغفرك اللهم وأتوب إليك ، اللهم أني بريء مما فعلتم ، وخرج من الكوخ مغاضبا . أم سامي : إلى أين ، الغذاء جاهز . بصوت مغتضب : لا أريده . |
30-04-07, 02:22 AM | #10 |
من كبار الشخصيات
|
كانت أم سامي تعجن في فناء الدار حينما كانت الجدة تفرك وجه سامي بقطعة قماش مبلولة فسمعوا صوت العم أحمد يقول من خارج الدار : يا أهل الدار . ردت العجوز : أدخل يا أحمد . فصاح أحمد : لست لوحدي ، معي رجل يريد رؤية سامي ، توارين . فتواروا في الكوخ وقالت العجوز : سامي أمامك في الفناء ، أدخل ضيفك . فانصاع العم أحمد وضيفه وولجوا للدار وتوجهوا لسامي الذي كان على حصيرة وسط الفناء فلما رآهم أنتابه الهلع من هول منظر الضيف كان رجلا أسودا كالليل لا ترى ملامحه مع أنهم في الصباح الباكر واختبأت عينيه فكانت لا ترى منهما غير شيء بسيط جدا أما ملابسه فهي غريبة جدا ويمسك في يده مسبحة طويلة تكاد تصل للأرض مع أنهم وقوف ويعتمر قبعة كبيرة ملونة بألوان غير متناسقة فبدا كأنه شبح أو غول يريد النيل منه ، فلما كانا على مقربة منه ووضعه لم يمكنه من الهرب صاح بذعر شديد وارتفع عويله فكان من عمه أن أحتضنه وربت عليه مهونا الأمر عليه : لا تخف هذا طبيب جاء يعاينك . فكان منه أن هدأ قليلا من بكاءه لكنه مازال مرتابا من هول هذا الطبيب الغريب قال بصوت متقطع : لماذا لا يلبس الأبيض مثل الأطباء ؟ ضحك العم وضحك الرجل الذي بانت أسنانه حمراء كلون الدم وخيل للطفل أنه يأكل الأطفال وإلا لماذا الدم في أسنانه فأشاح بوجهه عنه والتصق بصدر عمه الذي قال : لم أكن أعرف أنك جبان بهذا الشكل . قال الطفل وهو يرتجف : عمي هذا ليس طبيب ، هذا من يأكل الأطفال . وزادت ضحكات العم وضحكات الرجل الأسود الذي قال بلهجة مكسرة : أنا لست طبيب مستشفى أنا طبيب أحسن وأفضل من أطباء المستشفيات ملابسنا في نيجيريا ، ومد يده وأمسك بقدم الطفل الذي بدأ أيضا بصراخ أشد ، فتركها الرجل ثم بصق سائلا أحمر على الأرض وأمسك المسبحة بيديه وأغمض عينيه قائلا للعم : ما اسمه ؟ العم : سامي . النيجيري ومازال مغمضا عينيه : وما اسم أمه . العم : وهيبة . وكان كمن يتمتم بكلام غير مفهوم وهو لم يزل مغمض عينيه ثم تأوه مرتين وفتح عينيه قائلا : أجرتي مئة ريال . العم : لا تهتم سنعطيك ما تطلبه وزيادة . النيجيري : أما الدواء تحضر كبش أسود أقرن فيذبح وتجمعون دمه في أناء فلا تسقط منه أي قطرة على الأرض وتتصدقون بلحمه كله فلا تأكلوا منها أي شيء ، ثم تغسلون الولد بالدم وتضعون الطفل في كيس كبير لا يظهر منه غير رأسه فقط ثم يحفر له في الأرض بقدر طوله ويدفن جسد الصبي حتى الرقبة ويصب على رأسه باقي الدم الذي اغتسل به ، ويترك في الحفرة من الصباح للصباح الثاني بعدها تخرجونه وستجدونه يمشي على قدميه . كان الوقت عصرا عندما كان العم أحمد وسامي يتشاركون حصيرة سعف في فناء الدار وقد كان اليأس باديا على وجه العم أحمد حينما كان ينظر لسامي الممدد على الحصيرة البالية في الفناء الخارجي تفكر قليلا وقال في نفسه أليس هذا الطفل اليائس هو ابن أخي الأكبر الذي أحبني دوما والذي تكفل برعايتي منذ كنت صغيرا بعدما أصيب والدنا بالعمى والعجز وأمنا تزوجت برجل آخر لم يكن يحبنا ، أليس هذا الطفل ابن أخي الذي زوجني بتلك المرأة التي هفا قلبي لها وقد طلبوا أهلها شروطا تعجيزية حتى لا أتزوجها فضحى أخي وحبيبي وعمل ليلا ونهارا ليجمع لي مهرها ويزوجني ، وعندما ماتت سعى ليزوجني بأخرى لكنني كرهت فكرة أن أحب امرأة فتموت بين يدي ، أو ليس هو ابن أخي الذي رعاني وكفلني وتكبد عناء إطعامي وإيوائي ، إني لأعلم أن صنيعي هذا خطأ فادح لتصديقي هذا المشعوذ النيجيري ولكن ماذا بيدي لأفعله فأرد جزء بسيط لأخي وحبيبي أبو سامي الذي تحطم قلبه لأكثر من عام وهو ينظر لأبنه الأكبر وفلذة كبده وحامل اسمه وهو مشلول عاجز لا يستطيع الحراك ، وزفر بآهة حارقة مسموعة سمعها سامي فانتبه وقال : ماذا بك يا عم ؟ وسمع سؤال الطفل فاستجمع شتات تفكيره وقال : لا شيء بني . وأحس بمرارة تجوب في حلقه وشيء ثقيل يجثم على قلبه ماذا علي أن أفعل ؟ أأمضي قدما فيما أمر به النيجيري ؟ أم لا ؟ لكنه كان كالغريق الذي بدا له المشعوذ قشة النجاة ، بعدما قص له عم عيد اليماني صاحب البقالة المجاورة حكاية الاريتري جاره عندما أصيب ابنه بالشلل فاستطاع النيجيري هذا أن يعيد له صحة أطرافه ، وتردد على مسمعه من فم العجوز عم عيد : إنه معجزة يا بني ! فعل ما لم تستطيع المستشفيات فعله . حينها تأوه مرة أخرى وخرج من المنزل يذرع الشارع المؤدي للسوق ومازال يفكر محتارا ماذا أفعل ؟ وأطلق آهة أخرى كأنه ينفض شيئا عالقا بصدره وقال في نفسه : ليتك كنت موجودا يا أخي أبو سامي ، فإني أعرف مقدار حكمتك ، وكم أنا مشتاق لرأيك السديد ومشورتك ، انتبه وهو يسمع صوت يناديه : أحمد ، أحمد ، وبدا الصوت ليس بعيدا جدا ، ألتفت للوراء وهو يمشي ثم توقف ، قال في نفسه : أو ليس هذا الشيخ ابراهيم ، والله إنها صدفة عجيبة . توجه نحو الشيخ الذي رأى حالته الحائرة تلك فاحتضنه بمودة بالغة وقدم له كرسي فجلس لكنه كان باديا شاحب الوجه وهو يقول : لم أعرف أين أذهب ، فخرجت أتمشى قليلا . وتابع دون أن يدري ، كلما رأيت سامي ابن أخي يتقطع فؤادي ولا أعرف ماذا أفعل حياله . الشيخ متسائلا : أمازال على حاله منذ عام ؟ أما شفي بعد ؟ أحمد : لا لم يشفى بعد ، وهذا ما يحير قلبي كثيرا . وتابع يقول : عندما رأيتك .. قلت في نفسي أن خير من أستشيره في أمري هو أنت يا شيخ . الشيخ الذي وضع عينيه للأرض : استغفر الله ، لست شيخا ولا مفتيا لكنني أنقل ما كتبه العلماء وما أفتوا فيه ، ما الأمر يا أحمد ، أهو أمر دين أم دنيا ؟ أحمد وهو يعدل جلسته : بشأن سامي ، فقد أحضرت اليوم النيجيري وعاينه وطلب مني أمورا قال إذا طبقت سيكون الشفاء ، وحقيقة الأمر أنني محتار أأشرع في الأمر أم لا ؟ الشيخ وقد رفع بصره عن الأرض : لماذا لم تستشر أخوك ؟ أحمد : أخي مسافر لأم الجود فقد انتقل عمله لهناك وهو لا يأتي إلا عصر الأربعاء ويغادرنا عصر الجمعة . الشيخ : فهمت الآن لماذا لا أراه في المسجد ، عموما لو كان هنا لما سمح لك بذلك ، أبو سامي سليم المعتقد لا يقبل بمثل هذه الأمور بتاتا وأنت تعرف ذلك ، ويا أحمد أما زال الطفل يراجع المستشفى بعد ؟ أحمد وقد خيمت على وجهه الكآبة : مازال ، بدون فائدة ! الشيخ : لا تفقد الأمل ، الأمل بالله يا أحمد فإياك فعل ما يغضب ربك ؟ أحمد وقد بدا يائسا : لكن العم عيد قال لي : أن ولد جارهم الإرتري عالجه النيجيري والآن الطفل يلعب في الشارع . الشيخ : يا أحمد ، كذب المنجمون ولو صدقوا . أحمد : قلت أجرب فقد يكون فيه الشفاء . الشيخ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد ) ، احذر الكفر يا أحمد ، ولو انتظرت مقدم أخيك فهو أفضل ؟ أحمد وقد هم بالرحيل : جزاك الله خير . ذرع أحمد شوارع الحارة حتى خيم الغروب ، فعاد للمنزل وهو حائر أكثر من ذي قبل قال في نفسه وهو عائد للمنزل : يفعل الله ما يشاء . كان اليوم الثاني بعد صلاة الفجر وضع سامي في طشت فكان خائفا مرتعبا لكنه مستسلم للأمر حينما قال له عمه : أغمض عينيك وأغلق فاك . ففعل الصبي ثم صب على رأسه الدم . وكانت الحفرة قد جهزت من الليل فوضع الصبي في كيس كبير وزج في الحفرة ثم ردمت تماما ولم يتبقى خارج الحفرة سوى رأسه الحائر الملطخ بالدم ، فقال الصبي : لا تتركوني وحيدا عمي . العم وهو ينفض عن يديه التراب : سنأتي بالحصيرة ونجلس بجانبك ، لا تخف أنت رجل . وهكذا جلس كل من العم والجدة وأم سامي يسلونه طيلة اليوم حتى يغفو ثم ينتبه وهو إما يقول : عطشان ، أو يريد التبول فيقال له : تبول في الحفرة . وجاء اليوم الثاني وحان موعد خروج الطفل من الحفرة بدا الطفل تعبا ووجهه المتسخ بدم يابس كان أقرب للشحوب حينما قال : أتظن أنني أستطيع المشي عماه ؟ قال العم : قل يارب . وأخذ العم يحفر الحفرة المردومة وينبشها بمعول صغير والطفل يقول : لا تجرحني بالمعول ياعم ؟ العم : لا تخف فعمك ماهر بهذا العمل . وكانت الجدة تبتهل لله منتظرة خروج الصبي من الحفرة وأم سامي تجهز المياه الدافئة والصابون للطفل حينما فرغ العم أحمد من الحفر وحمل الصبي فأخرجه من الحفرة حينها كان الأمل واليأس مختلطان في قلوب الجميع مع تغلب الرجاء حتى الطفل الذي كان عاجزا كليا شعر بالأمل ، وهو ينظر لعمه وهو يخرجه من الحفرة ثم من الكيس . قال العم : الآن أنزل قدميك للأرض . حاول الصبي مد ساقيه لكنه لم يستطع . الجدة بنبرة تشجيع : أحسنت هيا يا بطل مد ساقيك ، لا تستسلم للمرض مد ساقيك . وقالت الأم : نعم حبيبي لا تستسلم مد ساقيك . لكن الصبي لم يكن يشعر بساقيه بعد قال العم للجدة وهو مازال يحمله على بعد سنتيمترات عن الأرض : ساعديه ومدي ساقيه ؟ فتقدمت العجوز أمسكت برجليه وقالت : أتشعر بيدي يا بني ؟ قال الصبي وهو يرتعش : لا . مدت ساقيه وقالت : يمكنك الوقوف الآن . لكنه عندما أراد أن يعتمد على ساقيه انحنت ركبتيه ولم يستطع الوقوف . عندها علم كل من الجدة والعم والأم أنها محاولة فاشلة وأن الصبي لم يشفى بعد ، وغطت العجوز وجهها وأصدرت جهيش متقطع واقتربت الأم باكية فحملت وليدها ووضعته على الطست وقامت تفركه بالماء والصابون ودمعها يجري فيسقط بعضا منه على ظهر الصبي فيختلط بالماء . العم كان مازال مذهولا وأحس بمرارة فعلته تلك ولكنه قال : كذب المنجمون ولو صدقوا . وأخذ يردم الحفرة ويتخلص من بقايا الكيس وهم خارجا من المنزل وهو يقول : الله الشافي ، استغفرك اللهم وإليك أتوب . |
30-04-07, 02:23 AM | #11 |
من كبار الشخصيات
|
(9) كانت الساعة الثامنة صباحا عندما نزل الجد من الحافلة يحمل سامي ويتجه نحو المستشفى عابرا الشارع المزدحم بالسيارات وحينها بكى الطفل ، قال الجد : ما يبكيك أيها المدلل ؟ قال وهو يجهش : لا أريد الكهرباء ، أنا أكرهها جدي . قال وهو يقدم آخر خطوة متجاوزا الشارع المزدحم بالناس والعربات : ألا تريد اللوز ، والحمرية ؟ قال وقد علا صوته : أريدها ولكن بدون كهرباء . قال الجد : لا لوز ولا حمرية بدون العلاج . الطفل وقد بدا أنه يقدم تضحية : حسنا لا أريد اللوز والحمرية . الجد وقد تظاهر بعدم الاكتراث : طيب ، طيب ، سآخذ اللوز والحمرية ونعود للبيت ولكنك لن تأكل منها ولا حبة . الطفل متحسرا : لا أريد منها ولا حبة . الجد وهو متوجه نحو بائعة اللوز : انظر ، سامي ، اللوز مقشر وجديد . الطفل : لا أريده . عندها وصلا لبائعة اللوز التي كانت تصيح : لوز ، حمرية ، حلاوه ، فصفص . الجد : أعطني بقرشين لوز مقشر ، وبقرشين حمرية . ناولته ما طلب وأخذت منه أربعة قروش وقال وهو يلتفت لسامي : تعال نجلس على درج المستشفى . الطفل : لماذا ؟ الجد : تعبت من حملك على كتفي ، أريد أن أستريح قليلا وآكل اللوز والحمرية . وعند الدرج جلس العجوز بجانب رجل وأجلس الصبي على فخذه وتناول كيس اللوز فتحه وأخرج حبات منه وقذفها في فمه دفعة واحدة والطفل ينظر إليه وأيضا الرجل الجالس قبلهم أخذ ينظر باستغراب للجد فقال الجد مخاطبا الرجل : أتريد لوز ؟ قال الرجل : يبدوا أن الصبي يريده . الجد متظاهرا بعدم الاكتراث : لا ، لا يريد لقد أصبح يكره اللوز . الطفل : لا ، لا أكره اللوز ، لكني لا أريده . الرجل : لا يوجد طفل في الدنيا لا يريد اللوز ، هل من سبب ؟ الجد وقد التفت للرجل وغمز له : لا يريد العلاج ، وأنا لا أعطيه اللوز بدون علاج . الرجل : لا يابني ، العلاج مفيد . الطفل : لكن الكهرباء مؤلمة . الرجل : أي كهرباء ؟ الجد : ابن ابنتي هذا يعاني من الشلل وهو يعالج بالكهرباء والعلاج الطبيعي ، ولم يكن يشعر قبل عام بالكهرباء ولكنه الآن يشعر بها وهذا دليل على أنه يتماثل للشفاء لكنه لا يريد التعافي بسرعة لنوقف الكهرباء عنه ، يعلم أننا نحبه ونريد له الخير وهذا زاده دلالا علينا ، أرأيت كيف يتدلل على جده المسن ؟ وأنا أحمله من جنوب جده إلى وسط البلد على كتفي وهذا جزائي منه ، أتعلم دعك منه إنه مدلل ؟ الرجل وقد بدا على علم بخدعة الجد : أنا لا أحب المدللين ، المدللين ليسوا رجالا ، بل هم أشبه بالبنات . الطفل الذي أغضبه كلام الرجل : هيه أنت ، أنا لست بنتا ، وأنا لست مدللا . الجد : وماذا تسمى رفضك للعلاج ، الرجال يتحملون ضرب الرصاص والسيوف ، وأنت لا تتحمل لسعة خفيفة من كهرباء . الطفل بدا متحديا : تقول ماذا ؟ لسعة خفيفة ؟ بل هي قويه ، جربها لتعرفها . الجد أيضا متحديا : بل لسعة خفيفة ، لكنك مثل البنات لا تتحمل الألم . الطفل وقد بدا واثقا هذه المرة : تحملتها أكثر من عام ألست رجلا يا .. وقال للرجل : ما اسمك ؟ الرجل مبتسما : ياسين ، نادني عم ياسين . الطفل : هاه عم ياسين ألست رجلا ؟ ياسين : أكيد ، تحملتها أكثر من عام أنت رجل شجاع . الجد : من هو الشجاع ؟ هذا .. وقال بسخرية واضحة : أنت لا تعرفه فهو طوال مدة العلاج وهو يبكي ويصرخ كلما جاء للمستشفى . الطفل : لكنني صغير ، والكهرباء مؤلمة ، ثم كل الأطفال في المستشفى يبكون ، لماذا لا أبكي مثلهم ؟ ياسين : لا بأس أبكي ، يا .. وقال : لم أعرف اسمك بعد ؟ قال الطفل : سامي ابن محمود . وبدا أن الاسم ليس غريبا على ياسين فقال : محمود ؟ أنت ولد محمود الذي يعمل في أم الجود حاليا ؟ قال الطفل : نعم ، هل تعرفه ؟ ياسين : كيف لا أعرفه لقد عملنا سويا في مصنع الصابون الذي يملكه أبو داود ، ثم ألتفت للعجوز مخاطبا : كان من أعز أصدقائي وزملائي في العمل قبل أن يقدم استقالته ويعمل في أم الجود . العجوز : تشرفنا بمعرفتك ، والله إنها صدفة خير من ألف ميعاد . ياسين : يا الله ..كان محمود قد حدثني عنه كثيرا عندما مرض وقد حزنت عليه كثيرا ، وكنت أتألم لألم محمود الذي كان باله دائما مشغول على مستقبله وكنا نهون عنه دائما ، حتى وجد هذا العمل الذي هو طبعا أفضل من عملنا هذا الذي نحن فيه ، فرائحة الصابون ألهبت أنوفنا وأحرقتها بالعطس . الجد : كان الله في عونكم . ثم التفت ياسين للطفل قائلا : أحمد الله يا بني ، فلديك أب وجد يحبانك كثيرا ويريدون لك الأفضل ، كن مطيعا لجدك واصبر على الكهرباء مادام فيه علاجك . الطفل : حاضر ياعم . سمعها الجد فاستبشر خيرا وقال وهو يلقي حبات اللوز في فمه : هو طفل طيب لكنه لا يحب اللوز ولا الحمرية . الطفل راجيا جده : جدي لا تنهيها كلها ؟ الجد وقد حشر اللوز في فمه فتكلم بصعوبة : لماذا ؟ أتريد منها ؟ الطفل : نعم أريد . الجد : لن أعطيك بدون العلاج . الطفل وقد تذكر قليلا ألم الكهرباء فقال : تقصد الكهرباء . الجد : أقصد الكهرباء . ياسين مخرجا من جيبه نوعا غريبا من الحلوى غلفت بورق لامع : وأظن أنك لا تحب هذه الشوكلاته الجميلة التي بها الحليب وبقلبها لوزا لذيذا ؟ رآها الطفل فقال ببهجة : بلا أحبها . غمز الجد لياسين وقال متحديا الطفل : لن تأخذها ، إلا بالعلاج . ياسين أيضا متحديا الطفل : هذه الحلوى هي فقط للرجال الذين يتحملون العلاج ويصبرون على ألمه ، ثم توجه للطفل مشيرا له بالحلوى قائلا : أتصبر على الكهرباء ؟ هز الطفل رأسه بالإيجاب ، وتناول الحلوى من يد العم ياسين ، فقال الجد : يمكنك الآن أكلها ، وغمز لياسين قائلا : أراك على خير قبل أن يبدل الولد رأيه . ثم قام ناهضا ورقى درجات عتبة المستشفى والطفل يودع صديق والده ملوحا بيد وباليد الأخرى الحلوى يحاول نزع غلافها بأسنانه . كان صراخه مدويا في أرجاء العنبر وهو ملقي على سرير أبيض ويديه وقدميه مربوطتان على السرير ، يصرخ وهو ينظر ناحية جده المبتعد كيلا يسمع صراخ الطفل وعندما خرج من العنبر كان ينادي بصراخ : جدي تعال ، سأموت . سمعها الجد وكان قد سمعها مئات المرات لكن هذه المرة كان الصراخ أعلى من ذي قبل ونبرة الاستنجاد في صوت الطفل جعلته يلتفت له فرآه في وضع مزري و عينين جاحضتين مما جعله يتراجع قليلا للوراء ثم جاء إليه في مشيته الهادئة وطرق عكازه يسبق وقع قدميه ، نظر إليه بأسى أخذ منديلا من جيبه ووضعه على وجه الطفل الذي يشنج ببكائه مسح عينيه ثم أنفه وقال : كن رجلا . الطفل وهو يبكي راجيا : سأموت يا جدي ، قل لهم هذا يكفي . الجد وعينيه تبرق من دمعة مكابرة أخفاها : طيب سأخبر الطبيب . الطفل حاثا الجد : بسرعة جدي ، قل له أنني سأموت . الجد متراجعا للوراء : حاضر بني . وتوجه الجد للطبيب الواقف بجانب طاولة الاستعلامات ومشغولا بكتابة ورقة فبادره قائلا : أصبح الولد يشعر بألم الكهرباء أكثر من ذي قبل ، أليس هناك خطورة عليه . وضع الطبيب القلم بجيبه العلوي وأخرج نظارته وضعها أيضا في جيبه العلوي وقال : لا تخف عليه ، ليس هناك خطورة من لسعة الكهرباء الآن ، لأنها خفيفة جدا وهي موصلة بأطراف الأعصاب ، هي ليست خطرة ولكن شعوره بألم الكهرباء نابع من استجابة الأعصاب للكهرباء التي لم يكن يشعر بها من قبل ، وهذا يعطينا أمل كبير بأن الولد في طريق التقدم للشفاء ، والحقيقة أنني استغربت كيف لا يمشي حتى الآن ، وتناقشت مع بعض الزملاء في المستشفى من بينهم الطبيب النفسي الذي قال : بعد شفاء العصب وتقوية العضلات ليس هناك سبب يمنعه من المشي وأنه من المحتمل أن الطفل يعاني من مشكلة نفسية قد تكون هي التي منعته من المشي ، وأظن يا عم أن الطفل قد بدأ يعتاد على حمله وطريقة مشيه على أربع مما دفعه للخوف من أن يقف فيسقط ، أظن أنه فقط يحتاج إخراج هذه الفكرة من رأسه وإذا تغلب على الخوف الذي بداخله أؤكد أنه سوف يسابقكم ركضا . الجد وقد بدا متفائلا : لكنه مر عليه عامان ولم يستطع الوقوف بعد أترى أن هناك نتيجة ؟ الطبيب : أؤكد لك أنه لم يعد الأمر غير مسألة نفسية . |
30-04-07, 02:24 AM | #12 |
من كبار الشخصيات
|
الطبيب : أؤكد لك أنه لم يعد الأمر غير مسألة نفسية . الجد : لكنكم مازلتم على علاجه بالكهرباء ، متى توقفونها عنه . الطبيب : متى مشى نوقفها ، أما إذا لم يمشي فالخوف أن العصب يتراجع والعضلات ترتخي ويعود من جديد كما كان أول ما جاء إلينا هنا بالمستشفى ، إنه كما قلت لك يتماثل بسرعة للشفاء ويحتاج فقط لترك الخوف الذي بداخله فهو ليس به شيء يمنعه من المشي مجددا . الجد : طمأنك الله يا بني ، وجزاك الله عنا وعن المسلمين كل خير على ما تبذله . الطبيب : لا داعي للشكر يا عم هذا واجبي . كان الصباح مشرقا عندما كان سامي يحبو على يديه وركبتيه خارجا من الكوخ متوجها للتكية الخشبية ، وعندما وصل ورأى أخته التي تكبره بعام مرتقية الأرجوحة المعلقة على سقف التكية تتأرجح مرتدية فستانها الأحمر الجديد وقد مشطت شعرها وربطت ظفيرتها بشريط أحمر قال وقد بدت الدهشة تعلو وجهه : لماذا لبست ثوبك الجديد ؟ قالت وهي ما تزال تتأرحج : سأذهب مع أمي . قال : إلى أين ؟ قالت : لبيت أم صابر . عندها تذكر صابر الذي كان قد نسيه بسبب مرضه الذي شغله وشغل أهله ، وتذكر ذاك الفتى الذي شاركه ألعابه والمرض فقال : هل شفي صابر ؟. قالت : قالت أمي أنه جاء من أمريكا مع أهله ، لكني لا أعلم إذا كان قد شفي أم لا . قال : هل ستأخذونني معكم ؟. هزت كتفها بعدم العلم ، ثم قالت : أسأل أمي وأشارت لخلفه تماما وهي تنزل من الأرجوحة . نظر للخلف فرأى أمه ترتدي عباءتها فقال : أأذهب معكم ؟ ردت الأم برقة : من سيحملك ؟ أنا لا أستطيع حملك أنت كبرت ، وخالك في المدرسة ، وأبوك وعمك كل واحد في عمله ، ستذهب معنا في المرة القادمة . قال بنبرة أسف : سلمي لي على صابر ، وقولي له أنني مشتاق له . قالت : حاضر وانحنت تطبع قبلتها على رأسه ، فقال : هل أصبح يمشي ؟ قالت وهي تخرج من الباب : لا نعلم عنه شيء ، سنذهب ونرى ثم نخبرك . ظل وحيدا متأملا متفكرا حاله وما آل إليه لقد كان يجري في هذا البيت قبل عامين يذرعه ذهابا وإيابا ويختبئ من أخته خلف النخلة وتحت شجرة الرمان ووراء شجرة الريحان فيعبق من نسيمها حتى تمتلأ رئتيه برائحتها ، لكنه الآن لا يستطيع حتى الوقوف على قدميه كمثل بقية الناس ، تفكر مليا بحاله وما صار إليه من ضعف وعجز ، في تلك الأثناء جاءت قطته التي كان يحبها كثيرا ودارت حوله قبل أن تتحسسه بذيلها ومن ثم بكامل جسدها استوى بجلسته وحملها بذراعيه وضعها أمامه وظل يمسد فروها ويداعبها ، وما كاد يسمع صوت باب المنزل يفتح بصريره الصدأ حتى رأى جدته وهي تدلف حاملة بعض الأغراض في كيس نايلون شفاف ، ومرحبا قال بصوت فرح : هلا جدتي ، أين كنت ؟ قالت وبدا على صوتها التعب : في البقالة ، اشتري خضار الغذاء ومررت بالجزار فاشتريت لحما . وهي تضع عنها عباءتها قالت : أين أمك ؟ قال : ذهبت لدى أم صابر . تأوهت فسمعها فقال : ما بك جده . قالت : لا شيء . قال : لماذا لم تذهبي معهم لأم صابر ؟ قالت : ذهبت قبل أن أذهب للبقالة . قال : هل رأيت صابر ؟ قالت : نعم . قال : هل شفي ، هل أصبح يمشي ؟ وأطرقت تفكر ، هل تخبره بأن صابر لم يشفى مع كل العمليات التي في ظهره والتي عاد فقط بأثرها من أمريكا ، هل تخبره فتصدمه بأن كل الأموال التي أنفقها والده لم تعد له صحته المسلوبة منه ، هل تخبره فتحبطه وهو ابن الفقراء الذين لا يملكون غير كوخ يؤويهم وبه يطبخون وفيه ينامون ، لا لم تشأ أن تخبره فيقع في قلبه الصغير اليأس القاتل الذي سيزيد الخوف لديه ولم يتمكن من المشي لكنها أيضا لم تشأ أن تكذب و وأرادت أن تواري فقالت : هو بخير ، ونعمة . فقال وقد تهلل وجهه بالفرح : أأصبح يمشي ؟ ورأت عيناه الفرحتان تطلبان التأكيد على سؤاله فجبنت من الحقيقة المرة التي حتما ستقصف بقلبه الصغير وتحطم الأمل المتبقي في جوفه فقالت : نعم ، يمشي . لم تره قد فرح بمثل هذا الفرح منذ أن مرض ولولا عجزه لقفز للأعلى وهو يقول : أحبك صابر . قالت : سألني عنك ، وقلت أنك ستمشي قريبا وسوف تزوره قريبا ، أليس كذلك ؟ قال وهو لا تكاد تسعه الفرحة : نعم ، نعم ، عندما أمشي سوف أذهب إليه ونلعب سويا . قالت : قل يارب ؟ قال : يارب اشفني بسرعة ، حتى ألعب مع صابر . قالت وهي تدنو منه : هل تذكر ما قلت لي عندما علمت أن صابر مرض ؟ قال : نعم ، أذكر ، لقد قلت أنني سأضرب الشلل ليهرب عن صابر . قالت : صابر ضرب الشلل ، فهرب عنه ، بقي دورك أنت ، ماذا ستفعل ؟ قال : سأضربه ... وقبض يده وضرب ساقيه وقدميه قائلا : أخرج يا شلل ، لا أريدك في قدمي ، فعندما أحس بألم الضرب على ساقيه كف عن ضرب ساقيه ، والتفت قائلا : هل هرب ؟ هزت الجدة كتفها بعدم العلم . قال : كيف أعرف ؟ قالت : حاول النهوض ، وستعرف إن هرب أم لا . حاول أن ينهض لكنه لم يستطع ، فقال : لم يهرب . قالت : لعله ليس في ساقيك ، لعله في مكان آخر مثلا في قلبك أو رأسك . قال : لكنه لو كان في رأسي لكنت لا أستطيع الكلام . قالت أبحث عنه في جسدك ، إذا وجدته أطرده دون أن تضربه فأنت عندما تضرب جسدك وساقيك فأنت تؤلم نفسك وهو لا يضره شيء ، يكفيك فقط أن تطرده . ولم تكن تعلم العجوز أنها تعالجه نفسيا وتخرجه من حالة الخوف التي تتملكه بهذه النصائح الصغيرة . |
30-04-07, 02:25 AM | #13 |
من كبار الشخصيات
|
(10) كان الليل قد خيم والظلام أطبق على أرجاء الكوخ عندما أفاق سامي ولم يجد معه أحد في الكوخ ، نظر من ناحية الباب فرأى نور التنور الذي بدا أن شخصا ما واقف بقربه يشعله برمي الحطب بداخله ، تزحزح من مكانه واستوى على يديه وركبتيه وشرع يزحف لخارج الكوخ ، فلما توسط فناء الدار نادى : ماما ؟ لكنها لم تجبه ، ردد مرة أخرى : ماما ، ماما ؟ أيضا لم يسمع رد ، وبدا أن الواقف بجانب التنور أثخن من أمه وأطول بكثير ، تسلل الخوف إلى قلبه الصغير فأراد أن يعود للكوخ ، هم بذلك لولا أن رأى الشخص الذي بجانب التنور بدأ يتحرك نحوه فلما دنا منه قليلا عرف أنه لم تكن أمه ، هذا الشخص يلبس هنداما فضفاضا كبيرا وغريبا ، زاد خوفه واستدار حابيا للكوخ ثم التفت للخلف فرأى الشخص يقترب ويدنو منه فذعر وحبا بسرعة فائقة حتى ولج للكوخ المظلم وتوجه نحو أريكة أختبئ تحتها وظل يراقب من تحتها خائفا مذعورا لكن لم يدخل أحدا للكوخ وتذكر حكايات جدته عن الغول فقال في نفسه : هذا الشيء ضخم لابد أنه الغول . وتذكر أن الشخص كان واقفا بالقرب من التنور فخطر في باله لا محالة أنه الغول جاء ليشويه في التنور ليأكله و إلا لماذا أشعل التنور ، وتسائل في عقله : لكن أين أهلي ؟ لابد أن الغول أكلهم كلهم ، وامتلأ قلبه بالرعب حينها عندما سمع صوت حركة من خلفه ، صاح بفجع تداركه لئلا يسمعه الغول في الخارج وبدا أن أحدا ما يلمس قدميه فارتعب وخرج من تحت الأريكة حابيا بسرعة لخارج الكوخ فلما توسط الفناء رأى الغول مجددا بالقرب من التنور فذعر هذه المرة أكثر وصاح بصوت قوي مدوي وقام بسرعة خاطفة وجرى ينوي الخروج من الدار فما أن وصل لباب الدار حتى رأى نورا قاما من فانوس تحت التكية ورأى أناسا متحلقين وكان صراخه لم يهمد بعد ، سمع حينها أمه تصيح بذعر أختلط بالفرح وهي تقول : سامي واقف على قدميه ، عندها أطلقت الجدة زغاريد الفرح وسط ذهول الجميع وذهوله هو وخوفه من الغول وبدا أن الطفل لم يعي الأمر بعد ، بنظراته الزائغة نحو التنور ونحوهم عرف أنهم أهله ولكن بدا أنه يحلم بعد أن تركز في تفكيره أن الغول أكلهم جميعا قال بصراخ مختلط مع بكاء : ماما ، بابا ، جده ، الغول ، وجرى الجميع نحوه رفعه أبوه وضمه لصدره بقوة وهو يقول : الحمد لله وكررها مرارا وهو يقبله ثم تناوله عمه أحمد وانهال بالقبل عليه فيما سجد أبو سامي سجود الشكر وتقاذفته الأيدي الجدة أولا ثم أمه ثم صديق والده وخال أمه ( جده علي ) ثم تقدمت امرأة طويلة بدت أنها هي الغول الذي كان يقف بجانب التنور أرادت حمله فصرخ صرخة خوف وهلع فهو لم يرها من قبل وقالت أمه : لا تخف هذه جدتك ( سلامة ) زوجة جدك ( علي ) وقالت للمرأة التي بدت متفهمة وطيبة : أعذريه لم يرك من قبل . عندها هدأ خوفه منها وعلم أنه كان واهما فهي ليست الغول وأنها جدة طيبة كانت تعد لهم خبز العشاء على التنور ، وأدرك بعدها انه هزم الشلل الذي عذبه لعامين متواصلين . تواصلت الأفراح بشفاء سامي على مدى أسابيع ذبحت فيها الذبائح شكرا وعرفانا لله فوزعت على الفقراء وعملت الموائد وجاء الأهل والأقرباء والأصدقاء مهنئون وغمرت سامي قبلات الجميع بلا استثناء وكثرت لديه الهدايا فأنسته هدايا صابر الذي توفي بعدها بأعوام وهكذا سارت حياته بين حمد لله وشكر على نعمة الصحة ، وبين أناس غمروه بالحب والعطف والحنان حتى سقطت أوراق شجرة العمر في خريف الزمن فتساقطت ورقة تلو ورقة واختفى جده ثم جدته عن الحياة لكنهما مازالا يعيشان في ذاكرته هما الوفيان وهما البطلان الحقيقيان اللذان قدما كل تضحية لإسعاده وساعداه في أكبر محنة صادفها في حياته ، فقام يدعو لهما وأموات المسلمين : اللهم أرحمهم واغفر ذنوبهم وأسكنهم فسيح جناتك إنك ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لك على نعماءك وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى صحبه وآله . ( تمت بحمد الله ) |
30-04-07, 07:31 AM | #14 |
من كبار الشخصيات
|
مشكور وما قصرت على هذه الرواية ونتنظر ابدعانك القادمة |
30-04-07, 01:12 PM | #15 |
مراقب منتديات في آي بي العامة
|
مشكووووووووووووووووووووووووووووووووور على القصه صح اني ماقدرت اقراها بس الله يعطيك العافيه |
العلامات المرجعية |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
رواية بنات الرياض الصورة الكاملة .. رواية سعودية جديدة!!! | أشواك الورد | المنتدى العام | 4 | 12-04-09 06:58 PM |